ميكسات فور يو
شهادة صادمة عن انهيار عقارات حدائق القبة (قصة كاملة)
الكاتب : Mohamed Abo Lila

شهادة صادمة عن انهيار عقارات حدائق القبة (قصة كاملة)

شهادة صادمة عن انهيار عقارات حدائق القبة (قصة كاملة)


عندما تحوَّل الصباح الهادئ إلى كابوس

كان صباح الثلاثاء 17 يونيو 2025 يبدو عاديًا فى شارع ضيق بحى حدائق القبة؛ ضوضاء أطفال فى طريقهم إلى المدرسة، وباعة متجولون يفترشون الأرصفة ببضاعتهم البسيطة. وفجأة دوَّى صوت انفجار مكتوم ثم ارتجَّت الأرض تحت الأقدام، وانهار عقارٌ مكوَّن من ستة طوابق كأنه كُتل من ورق. فى دقائق معدودة، تحوَّل الهدوء إلى صرخات واستغاثات، وغاصت المنطقة فى غبارٍ كثيفٍ غطّى السماء. لكن الصادم لم يكن الانهيار فى حدِّ ذاته، بل الشهادة التى روتها إحدى الناجيات عن اللحظات الأخيرة داخل المبنى قبل سقوطه.



بداية الواقعة: شروخٌ صامتة وأبوابٌ لا تُغلق

تقول «أمّ مصطفى»، وهى أرملة فى أواخر الأربعينيات تسكن فى الطابق الثانى منذ عام 1999:

«من أسبوعين بدأ يظهر شرخٌ دقيقٌ فى الحائط، ثم لاحظنا أن باب الشقة لا يُغلق بسهولة. استدعينا نجّارًا ظنًّا أنه اعوجاجٌ فى الخشب، لكن الشرخ اتسع كل يوم ملِّى جديد، ولم نكن ندرى أنه ناقوس الخطر».

وعلى الرغم من شكاوى السكان المتكررة لمُلاك العقار، اكتفوا بطلاء سريع لإخفاء العيوب، بينما استمرت أعمدة السلم الداخلية فى التآكل الهادئ بفعل تسرب المياه القديمة دون ترميم.


الشهادة الصادمة: خمس دقائق قبل الموت

قبل الانهيار بدقائق، كانت «أمّ مصطفى» تعد طعام الإفطار لولدها الجامعى «ضياء» الذى يتأهب للذهاب إلى محاضراته. وفجأة شعرت بهزة خفيفة أعقبتها أصوات تكسُّر تشبه إطلاق نيران مكتومة:

«سمعت خشخشة الحديد وهو ينخلع من مكانه. أدركت فى لحظة أن الأرض تتحرك، فصرخت باسم ولدى. هرع ضياء ليمسك بيدى، وفى أقل من خمس ثوان سقطت الثريا من السقف فكسرت المائدة أمامنا. ركضنا نحو الباب، لكنه عاندنا؛ كان الإطار قد انزاح بفعل ميل الحائط. دفعه ضياء بكل قوته حتى انفتح، وقبل أن نقطع ثلاثة درجات من السلم، اهتزَّ المبنى بعنفٍ وانطفأ كلُّ صوت، كأن الدنيا بلعت أنفاسها، ثم سقطنا فى ظلامٍ كامل.»

استفاقت «أمّ مصطفى» بعد دقائق تحت جزء مائل من السلم، بينما يدُ ابنها ما زالت ممسكة بكفِّها. «ظننت أننا متنا» – تروى وعلى صوتها بُحَّة البكاء – «لكننى وجدت نفسى أسمع أنين الجيران. ضياء كان يهمس: ماما، إحنا لسه عايشين».


دقائق ما بعد الانهيار: صراع مع الغبار والظلام

غطى الغبار الرئات حتى خُيِّل للمحاصَرين أن الهواء انتهى. لم يكن أحد يعرف فى أى طابق يوجد: السقف يلامس الأرض، وجدران تحوّلت إلى شظايا، ومواسير المياه انفجرت تُغرق الأنقاض فى طينٍ لزج. حاول ضياء إسكات أمه كى يسمعا صوت المنقذين:

«سمعنا صفارة بعيدة وصرخات (فيه حد عايش؟)، فأخذنا نطرق على ماسورة حديد بقطعة معدنية وجدناها. كان الصوت يردده الفراغ مثل دقاتٍ مكتومة من باطن الأرض».


جهود الإنقاذ: سباق ضد الزمن

وصلت سيارات الإسعاف والحماية المدنية فى غضون عشر دقائق، لكن التوغل داخل الأنقاض استغرق ساعات. استخدم رجال الإنقاذ كلابًا بوليسية وأجهزة مجسّات لالتقاط دقات خفيفة أو أنفاس. وبحلول منتصف النهار، استطاعوا تحديد موقع «أمّ مصطفى» وولدها، لكن إخراجهما تطلّب إزالة طبقات من الركام يدويًا تجنبًا لهدم فراغاتٍ أخرى تحمى الأحياء المحاصَرين.

عند الثالثة عصرًا، خرجت «أمّ مصطفى» تتنفس هواء الشمس والدموع على وجهها. أما ضياء فحُمل على نقالة بعد إصابة فى ساقه. وبقى تحت الأنقاض جارٌ مسن وطفلتان لم يُعرف مصيرهما حتى غروب الشمس.


تحقيقات النيابة: أصابع الاتهام تشير إلى الإهمال

فتحت النيابة العامة تحقيقًا عاجلًا، فاستدعت مالك العقار ومهندس الحى المسؤول عن تراخيص البناء. كشفت المعاينة الأولية أن أساسات المبنى ضعفت بفعل إضافة طابقين مخالفين قبل ثلاث سنوات دون تدعيم كافٍ، مع استعمال أسمنت رديء. وأنذر الحى المالك مرتين، آخرهما قبل شهر، ولكن لم تُتخذ خطوات جادة للإزالة أو الترميم.


الخبراء: نمطٌ يتكرر فى القاهرة القديمة

يؤكد الدكتور «يوسف البحيرى»، أستاذ الهندسة الإنشائية، أن نحو 12 ألف عقار بالقاهرة والجيزة مهدد بالانهيار نتيجة:

  1. عمر البناء الذى يتجاوز خمسين عامًا دون صيانة جذرية.

  2. التعديات الرأسية بإضافة طوابق مخالفة.

  3. تسربات الصرف والسطوح التى تنخر الحديد المسلح فى صمت.

ويحذر من أن الكارثة قد تتكرر فى أحياء شبرا والساحل وبولاق إذا لم تُطلق خطة قومية للفحص والترميم.


المسؤولية المجتمعية: أين دور السكان؟

بينما تُوجَّه أصابع الاتهام للمالك والسلطات، يحمّل بعض الخبراء السكان جزءًا من المسؤولية لعدم إخلاء المبنى فور ظهور العلامات التحذيرية من شروخ وانحراف. لكن «أمّ مصطفى» تردّ بحسرة:

«إحنا ناس بسطاء، ماعندناش مكان نروح له. إذا خرجنا ننام فى الشارع. والحكومة ما وفَّرتش بديل».


الدروس المستفادة: ماذا بعد الشهادة؟

  1. إعلان قاعدة بيانات وطنية للعقارات الآيلة للسقوط محدثة أسبوعيًا ومفتوحة للجمهور.

  2. تشكيل فرق تفتيش طارئة بقرار نيابى تملك صلاحية إخلاء فورى.

  3. صندوق تمويل عاجل لترميم البيوت الشعبية بمساهمة مشتركة من الدولة والبنوك والمجتمع المدنى.

  4. حملات توعية لسكان الأحياء القديمة للتعرف على علامات الخطر وسُبل التبليغ.


 صرخة تنبيه قبل الفاجعة التالية

قصة «أمّ مصطفى» وولدها «ضياء» ليست مجرد شهادة إنسانية، بل جرس إنذار يقرع فى كل شارع قديم، يقول: «انتبهوا قبل أن يصبح التراب مأوىً دائمًا لأحلام البشر». فلو تحركت الجهات المسؤولة، واستمع السكان لنصائح الخبراء، قد تُنقذ أرواح أخرى من مصيرٍ محتومٍ تحت أنقاض الإهمال. الكارثة لا تنتظر من يصفها؛ إنها تستدعى من يتجنبها قبل وقوعها.

التعليقات

لا يوجد تعليقات

اترك تعليق

يجب تسجيل الدخول أولا. تسجيل الدخول

قد يهمك أيضا

تعــرف على ميكسات فور يو
اتصل بنا
سياسة الخصوصية
من نحن
خريطة الموقع
تابعنا علي منصات السوشيال ميديا

جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt

Loading...