في الساعات الأولى من صباح اليوم، تعرّض أحد المنازل القديمة في منطقة السيدة زينب بالقاهرة لانهيار جزئي مفاجئ، ما أثار حالة من الذعر بين السكان، ودفع السلطات إلى التحرّك العاجل لتأمين الأرواح والممتلكات. الحادث لم يُخلّف إصابات بشرية، لكنّه خلّف أضرارًا مادية واضحة، وأعاد إلى الواجهة ملف الأبنية القديمة المتداعية في الأحياء الشعبية.
بمجرد وصول أجهزة الحماية المدنية إلى موقع الانهيار، قرّر مسؤولو حي السيدة زينب إخلاء العقار المجاور للمنزل المنهار بالكامل، كإجراء احترازي لمنع تكرار الكارثة. وقد حرصت فرق الإنقاذ على التأكد من خروج جميع السكان، بما في ذلك كبار السن والأطفال، قبل فرض طوق أمني حول المبنى.
أجرى فريق من مهندسي الإدارة الهندسية في الحي والكليات المختصة معاينة فورية للمبنى المجاور المنهار، ليجدوا أن الأساسات تعاني من هبوط أرضي شديد، إضافة إلى تشققات طولية في الجدران الحاملة. وأكد التقرير المبدئي أن استمرار السكان بالداخل كان سيزيد من احتمالات الانهيار، خصوصًا مع اهتزازات أي أعمال إنقاذ أو إزالة للمبنى المتضرّر.
تم تنفيذ الإخلاء في غضون ثلاث ساعات، حيث تعاونت الأجهزة التنفيذية مع الحماية المدنية وقسم الشرطة المحلي لتأمين خروج السكان ونقلهم إلى أماكن إيواء مؤقتة في مراكز شباب قريبة. وشكّل الحي لجنة لحصر عدد الأسر المتضررة، وتوثيق بياناتهم تمهيدًا لتقديم التعويضات والإعانات العاجلة.
أعلن ممثّلو التضامن الاجتماعي توفير بدل نقدي عاجل للأسر التي لا تستطيع الإقامة لدى أقارب أو أصدقاء، كما جرى التنسيق مع صندوق تطوير العشوائيات لتدبير وحدات سكنية بديلة ضمن مشروعات الإسكان الاجتماعي القريبة. وبحسب تصريحات مسؤولي الحي، فإن الأولوية ستكون لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والأسر التي تضم أطفالًا.
فتح الحادث باب النقاش حول مسؤولية مُلاك الأبنية القديمة، إذ يؤكد مهندسون مختصون أن قانون البناء الموحد يُلزم المالك بإجراء صيانة دورية كل خمس سنوات للمباني التي يتجاوز عمرها خمسين عامًا. لكن نقص الإمكانيات المادية وعدم الوعي القانوني كثيرًا ما يؤدي إلى تجاهل هذه الإجراءات، ما يفاقم خطورة المباني على السكان والمارة.
يشير مسؤولو حي السيدة زينب إلى أنّ إدارة المتابعة الميدانية تقوم بحملات دورية لرصد العقارات المهدّدة بالانهيار، لكنّ عددها الكبير وتعقيدات الملكية المشتركة يتسببان في إبطاء خطوات الإزالة أو الترميم. وقد طالب الحيّ، في أكثر من مناسبة، بتعديلات تشريعية تُسرّع إصدار قرارات الإزالة للقضاء على المخاطر قبل وقوعها.
بحسب مصادر مطلعة، تتضمن خطة وزارة التنمية المحلية بالتعاون مع وزارة الإسكان ما يلي:
تحديث قاعدة بيانات العقارات الآيلة للسقوط في جميع المحافظات.
توفير قروض ميسّرة لأعمال التدعيم الهندسي في المناطق التاريخية.
تسريع إطلاق مشروعات الإسكان البديل حتى لا يُترك المواطن دون مأوى.
إطلاق حملات توعية قانونية لتعريف الملاك بالمسؤوليات والصلاحيات.
وتهدف هذه الخطوات إلى معالجة جذور المشكلة بدل الاكتفاء بالحلول الإسعافية بعد وقوع الكارثة.
يرى خبراء التشييد والبناء أنّ منطقة السيدة زينب، شأنها شأن المناطق التاريخية في وسط القاهرة، تضم أعدادًا كبيرة من الأبنية التي تجاوز عمرها قرنًا من الزمن. وتحتاج هذه المباني إلى ترميم شامل يعتمد على تقنيات حديثة بدلًا من الحلول التقليدية، مع ضرورة التوافق بين المحافظة والجهات الأثرية لضمان الحفاظ على الطابع المعماري.
أعلنت محافظة القاهرة عن تفعيل خط ساخن برقم (137) لاستقبال بلاغات المواطنين حول العقارات التي تظهر بها شروخ خطيرة أو تصدعات. وسيتم إرسال لجنة فنية خلال 48 ساعة لمعاينة المبنى واتخاذ القرارات اللازمة، سواء بإصدار قرار ترميم عاجل أو إخلاء مؤقت.
فحص الأعمدة والأسقف دوريًا بحثًا عن تصدعات أو صدأ في حديد التسليح.
الإبلاغ الفوري عن أي تسرب مياه، إذ يُعد أحد الأسباب الرئيسية لانهيار الجدران.
الابتعاد عن توسعة الشقق عبر إزالة جدران حاملة دون إشراف هندسي.
الاحتفاظ بنسخة من رخصة البناء وأي تقارير صيانة سابقة لتسهيل إجراءات الدعم الحكومي.
حادث انهيار المنزل في السيدة زينب وما تبعه من إخلاء للعقار المجاور يمثل جرس إنذار جديدًا على خطورة ملف المباني المتهالكة. وإذا كانت تحرّكات الحيّ والجهات المعنية قد حالت دون وقوع خسائر بشرية هذه المرة، فإن استمرار الأوضاع على حالها ينذر بكوارث أكبر في المستقبل.
يتطلب الأمر تكاتفًا بين الدولة والمواطن، من خلال الإبلاغ المبكر عن المخاطر، وتحديث التشريعات، وتوفير التمويل اللازم لعمليات التدعيم، حتى لا يتحوّل التاريخ المعماري العريق إلى مصدر تهديد لأرواح الأبرياء.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt