شهدت سوق الصرف المحلية اليوم الخميس 26 يونيو 2025 تراجعًا جديدًا لسعر الدولار أمام الجنيه المصري، لتُواصل العملة الأمريكية مسار الهبوط الذي بدأته منذ مطلع الشهر الجاري. وبحسب متوسطات الأسعار الرسمية المعلنة مع افتتاح جلسات التعامل الصباحية فقد انخفض الدولار بنحو 7 قروش مقارنة بإغلاق أمس، ليقترب من أدنى مستوياته منذ فبراير الماضي. يعكس هذا التراجع حالة من التفاؤل النسبي في الأسواق بعد تحسن مؤشرات النقد الأجنبي ودخول تدفقات استثمارية جديدة.
بدأت رحلة تراجع الدولار أمام الجنيه مع الأسبوع الأول من يونيو، حيث فقد في مجموعها حتى اليوم أكثر من 55 قرشًا دفعة واحدة. ويعزو محللون هذا الاتجاه إلى مجموعة من العوامل أبرزها:
زيادة إيرادات القطاع السياحي خلال موسم الربيع، إذ تجاوزت العائدات حاجز 3.2 مليار دولار في ثلاثة أشهر، ما دعم احتياطيات النقد الأجنبي.
ارتفاع تحويلات العاملين بالخارج في الربع الأول من العام الجاري بنحو 9%، لتصل إلى قرابة 9.8 مليار دولار، وهو ما عزّز السيولة الدولارية لدى البنوك المحلية.
تراجع الطلب على فتح الاعتمادات المستندية بعد استقرار عمليات الاستيراد وتوفر بدائل محلية لبعض السلع، الأمر الذي خفف الضغط على العملة الصعبة.
زيادة استثمارات الأجانب في أذون الخزانة مع تحسّن التصنيف الائتماني السيادي، وارتفاع العائد الحقيقي الممنوح على أدوات الدين، ما جذب تدفقات مالية جديدة.
جاءت الأسعار الصباحية وفق متوسط عام يتراوح بين 28.55 و28.60 جنيهًا للشراء، وبين 28.65 و28.70 جنيهًا للبيع على شاشات كبرى البنوك الحكومية والخاصة. وقد سجّل أعلى سعر شراء في بعض البنوك الخاصة عند 28.60 جنيه، بينما كان أقل سعر بيع عند 28.65 جنيه.
بحسب نشرة البنك المركزي الصادرة اليوم، تراجع السعر المرجعي للدولار بمقدار 0.07 جنيه لما دون 28.60 جنيه، وهو المستوى الأدنى في أربعة أشهر. ويرى محللون أن هذا الهبوط قد يدفع بعض المستوردين إلى تسوية التزامات دولارية متراكمة قبل نهاية الربع المالي، مستفيدين من السعر المنخفض نسبيًّا.
هبوط الدولار ينعكس تدريجيًّا على فاتورة الواردات من الحبوب والزيوت، حيث توقّع مسؤول في إحدى شركات الاستيراد الكبرى انخفاض تكلفة الشحنات القادمة خلال يوليو بنسبة تتراوح بين 2% و3%، ما يُسهم في إبقاء أسعار الخبز والسلع التموينية عند مستويات مستقرة.
يمثل الدولار نحو 60% من تكلفة الإنتاج للأجهزة المستوردة أو المجمعة محليًّا. ومن المتوقع أن يؤدي استمرار تراجع العملة الأمريكية إلى تخفيضات محدودة في أسعار الأجهزة بحلول أغسطس، خاصة في شريحة الهواتف المحمولة والإلكترونيات الصغيرة، شرط تحرك وكلاء الشركات العالمية لتمرير الوفر إلى المستهلك.
يترقب تجّار السيارات انخفاض تكلفة الإفراج الجمركي على الشحنات القادمة؛ ما قد يُخفّض الأسعار الفعلية للموديلات الجديدة بنسبة 3%–5% خلال الربع الثالث، رغم استمرار تأثير عوامل أخرى مثل تكاليف الشحن الدولية وأسعار الفائدة المحلية.
أكد تقرير رسمي صدر مطلع الأسبوع أن احتياطي النقد الأجنبي ارتفع إلى 37.1 مليار دولار، بزيادة 400 مليون دولار خلال مايو. يُعزى هذا الارتفاع إلى استلام دفعات من اتفاقيات تمويلية دولية، إلى جانب نمو موارد السياحة وتحويلات العاملين في الخارج، ما هيأ بيئة داعمة لاستمرار قوة الجنيه.
يتوقع خبراء أن يسهم تراجع الدولار في تعزيز شهية المستثمرين الأجانب لضخ استثمارات مباشرة في قطاعات الصناعة والخدمات. انخفاض تكاليف التمويل بالدولار بالنسبة للمشاريع التي تُنشأ داخل مصر قد يجعل العائد المتوقع أكثر جاذبية، خصوصًا مع استقرار التضخم عند مستويات أقل من 16% للمرة الأولى منذ العام الماضي.
يتزامن انخفاض الدولار مع توقعات بقيام لجنة السياسة النقدية بتثبيت أسعار الفائدة للمرة الثالثة على التوالي، في اجتماعها المقرر الأسبوع المقبل. وترجّح بنوك استثمار محلية أن استمرار تدفقات العملة الأجنبية قد يمنح البنك المركزي مساحة للاحتفاظ بمعدلات الفائدة دون تغيير، تفاديًا لأي ضغط تضخمي محتمل.
وتُشير التوقعات إلى أن خفض الفائدة ربما يُطرح على الطاولة في النصف الثاني من العام إذا استمر التضخم في التراجع، الأمر الذي قد يدعم قوة الجنيه في سوق الصرف.
يرى أغلب المحللين أن السعر الحالي ليس محطة النهاية، بل قد تتواصل سلسلة الهبوط بشكل تدريجي إذا استمرت المؤشرات الإيجابية:
استمرار ارتفاع إيرادات السياحة مع زيادة تدفقات الموسم الصيفي.
تحسن صادرات مثل الغاز والأسمدة.
مزيد من الترشيد في فاتورة الاستيراد غير الضروري.
أي صدمة خارجية في أسواق الطاقة تزيد من عبء فاتورة الواردات.
تراجع محتمل في تحويلات العاملين بالخارج إذا تأثرت أسواق العمل العالمية.
ارتفاع مفاجئ في الطلب المحلي على الدولار لتمويل صفقة استيرادية كبرى.
بناءً على تلك العوامل، تتراوح توقعات البنوك الاستثمارية ما بين بقاء الدولار داخل نطاق 28.30–29.20 جنيه في الربع الثالث، ما لم تطرأ تغيرات جذرية على المشهدين المحلي أو الدولي.
تأجيل شراء السلع المستوردة الكبيرة إن أمكن، للاستفادة من انخفاض أكبر محتمل في حالة استمرار تراجع الدولار.
مراقبة فروق الأسعار بين البنوك قبل إجراء تحويلات أو عمليات بيع وشراء.
تجنّب المضاربة على الدولار في الوقت الحالي، حيث قد يتعرّض المتاجرون لخسائر سريعة إذا استمر الهبوط المفاجئ.
تنويع المدخرات بين أدوات مالية مختلفة بدلًا من الاعتماد على عملة واحدة فقط.
يواصل الدولار اليوم الخميس 26 يونيو 2025 هبوطه أمام الجنيه المصري ليعكس حالة من التحسن النسبي في موارد النقد الأجنبي وسط مؤشرات اقتصادية مشجعة. وعلى الرغم من أن هذا الانخفاض يمثل خبرًا سارًا للعديد من القطاعات التي تعتمد على الاستيراد، إلا أنّ الحفاظ على هذا الاتجاه مرهون باستمرار تدفق العملة الصعبة واستقرار الأوضاع الاقتصادية الداخلية والخارجية على حد سواء. يشكل المشهد الحالي فرصة للمستهلكين والمستثمرين للاستفادة من تراجع الأسعار، لكنه في الوقت ذاته يتطلب قدرًا من الحكمة في اتخاذ القرارات المالية تجنبًا للمخاطر المحتملة.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt