شهد البرلمان المصري تحركات مكثفة خلال الأيام الماضية بشأن التعديلات المنتظرة على قانون الإيجار القديم، وذلك في إطار خطة الدولة لحسم هذا الملف الشائك الذي ظل عالقًا لعقود طويلة. وفي الجلسة الأخيرة، وافق عدد من أعضاء مجلس النواب على إقرار مبادئ أساسية للتعديل، من أبرزها تحديد حد أدنى للإيجار الشهري، ووضع ضوابط لحالات طرد المستأجر في ظروف معينة، وهي التعديلات التي أثارت جدلاً واسعًا بين الملاك والمستأجرين.
ويهدف القانون إلى تحقيق توازن عادل بين طرفي العلاقة الإيجارية، في ضوء التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها مصر خلال العقود الأخيرة، مع الحفاظ على حقوق الطرف الأضعف دون إخلال بحقوق الدولة أو الدستور.
تضمنت التعديلات عددًا من المواد الجوهرية، والتي جاءت في مقدمتها:
إلزام المستأجر بسداد حد أدنى للإيجار لا يقل عن 300 جنيه شهريًا للوحدة السكنية، كحد مبدئي قابل للزيادة.
وضع جدول تدريجي لرفع قيمة الإيجار خلال مدة انتقالية تمتد من 3 إلى 5 سنوات.
السماح بإخلاء المستأجر للوحدة حال ثبوت تركه للعقار أو عدم استخدامه فعليًا.
عدم توريث العلاقة الإيجارية إلا للأبناء القُصّر أو من يقيم إقامة فعلية مثبتة بالقانون.
إلغاء الامتداد التلقائي للعقود القديمة التي مرّ عليها أكثر من 60 عامًا.
وتنص التعديلات على أن يتم الفصل في منازعات الإخلاء عبر دوائر قضائية متخصصة لضمان الحسم السريع.
بحسب تصريحات لجنة الإسكان بمجلس النواب، من المتوقع أن تدخل التعديلات حيز التنفيذ بداية من العام المالي الجديد 2025-2026، بعد صدور اللائحة التنفيذية وفتح باب الإخطارات للمستأجرين والملاك لتوفيق أوضاعهم.
وستشمل المرحلة الأولى العقارات السكنية غير الحكومية، يليها لاحقًا العقارات التجارية والإدارية الخاضعة لنظام الإيجار القديم.
حدد القانون عددًا من الحالات التي يُمكن فيها إنهاء العلاقة الإيجارية وإخلاء الوحدة، منها:
مرور 3 سنوات متصلة دون إقامة فعلية داخل الوحدة.
ثبوت أن المستأجر يمتلك عقارًا بديلًا أو يحصل على دعم سكني حكومي.
امتناع المستأجر عن سداد الإيجار لمدة 6 أشهر متتالية رغم الإنذار.
تأجير الوحدة من الباطن دون موافقة المالك.
استخدام الوحدة في أنشطة غير سكنية بالمخالفة للعقد.
وتُحال هذه القضايا مباشرة إلى القضاء المختص، مع أولوية الفصل السريع حفاظًا على استقرار العلاقة الإيجارية.
بحسب مواد القانون، سيتم تحديد قيمة الإيجار الجديدة بناءً على مساحة الوحدة وموقعها ومستوى الخدمات المتاحة، ويُراعى في ذلك:
الحد الأدنى للقيمة السوقية للإيجار في المنطقة.
عمر العقار وحالته الإنشائية.
مستوى المرافق (مياه – كهرباء – صرف صحي).
وسيصدر قرار من رئيس الوزراء بتحديد شرائح القيم الإيجارية حسب كل محافظة ومنطقة، بما يضمن العدالة وعدم الإضرار بأي طرف.
أكدت الحكومة أن التعديلات لا تهدف إلى الإضرار بالمستأجرين القدامى، ولكنها تستهدف:
تقنين أوضاع العقود الممتدة بشكل غير طبيعي.
إعادة التوازن لعلاقة امتدت لعقود دون أي زيادة حقيقية.
السماح للملاك بالاستفادة من أملاكهم قانونيًا، دون حرمانهم من الانتفاع بها.
ويُلزم المستأجر، وفقًا للقانون الجديد، بتوقيع عقد جديد بعد المدة الانتقالية، يتم فيه الاتفاق على القيمة الإيجارية وفق المعايير المعلنة رسميًا.
أوضح النائب عمرو درويش، عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب، أن فلسفة تعديل قانون الإيجار القديم لا تهدف إلى طرد الناس من مساكنهم، وإنما تسعى لتصحيح وضع غير عادل، مشيرًا إلى أن عددًا كبيرًا من الوحدات السكنية المغلقة تُهدر الثروة العقارية.
وأكد أن القانون سيضمن بقاء الأسر الفقيرة عبر أدوات حماية اجتماعية موازية، منها:
توفير سكن بديل في بعض الحالات.
تقديم دعم مالي للفئات الأكثر احتياجًا.
منح فترة انتقالية كافية لتوفيق الأوضاع.
رحب عدد من ملاك العقارات بالتعديلات، مؤكدين أن القانون المنتظر يُعيد إليهم حقًا غائبًا منذ عشرات السنين، خاصة أن بعضهم يحصل على 5 أو 10 جنيهات كإيجار شهري، رغم أن القيمة السوقية للوحدة لا تقل عن آلاف الجنيهات.
وأشاروا إلى أن المالك حُرم من التصرّف في ملكه، وواجه صعوبات كبيرة في الإصلاحات والترميمات دون جدوى مالية.
أعرب بعض المستأجرين عن قلقهم من تأثير القانون على أوضاعهم المعيشية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، مطالبين الدولة بضرورة عدم المساس بذوي الدخل المحدود.
وأكدوا أن معظمهم لا يمتلك بديلاً سكنيًا، وأن رفع الإيجارات بشكل مفاجئ قد يتسبب في تشريد العديد من الأسر، وطالبوا بإشراك المجتمع المدني في مناقشة اللائحة التنفيذية للقانون لضمان التدرج في التطبيق.
أوصى عدد من الخبراء العقاريين بضرورة:
إطلاق حملة توعية شاملة تشرح القانون للمواطنين.
اعتماد آلية تظلم عادلة تسمح بمراجعة القيمة الإيجارية لمن يتضرر.
ربط القانون بقاعدة بيانات الإسكان الاجتماعي لمنع ازدواج الدعم.
توفير تطبيق إلكتروني لحساب الإيجار المقرر وفقًا لكل منطقة ومساحة.
وأشاروا إلى أهمية أن تُدار العلاقة الإيجارية بشكل تعاقدي عصري مبني على العرض والطلب، مع حماية الطرف الأضعف بقواعد قانونية واضحة.
يمثل تعديل قانون الإيجار القديم نقطة تحول مهمة في مسار التنظيم العمراني والسكني في مصر، إذ يسعى لتحقيق التوازن بين حقوق المالك والمستأجر، بعد عقود من الجمود القانوني.
وبينما تؤكد الحكومة أن هدف التعديلات هو تصحيح الأوضاع وحماية الثروة العقارية، لا يزال المواطنون يترقبون تفاصيل اللائحة التنفيذية التي ستحسم آلية التطبيق، وقيمة الإيجارات الجديدة، ومدى تدرج التطبيق على المستأجرين الحاليين.
وسيظل نجاح هذا القانون مرهونًا بمدى مراعاة البُعد الاجتماعي، وضمان عدم الإضرار بالطبقات الفقيرة، إلى جانب تحقيق العدالة للمالك الذي ظل محرومًا من حقوقه لعقود طويلة.
في انتظار التنفيذ الرسمي، تبقى العين على البرلمان والحكومة لمراقبة الإجراءات التنفيذية، ومراقبة مواقف الأطراف المعنية في هذا الملف الذي يمس ملايين الأسر المصرية.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt