في صباح الثلاثاء الموافق 3 يونيو 2025، غيّب الموت واحدة من أبرز نجمات الفن المصري والعربي، الفنانة القديرة سميحة أيوب، عن عمر ناهز 93 عامًا، بعد رحلة طويلة مع العطاء الفني امتدت لأكثر من 70 عامًا. وقد أعلن نقيب المهن التمثيلية الدكتور أشرف زكي، النبأ الحزين مؤكدًا أن مصر فقدت قامة فنية كبيرة أثرت الساحة بمئات الأعمال الخالدة في المسرح والسينما والتلفزيون.
وُلدت سميحة أيوب في 8 مارس 1932 في حي شبرا بالقاهرة. ومنذ صغرها أظهرت اهتمامًا خاصًا بالفنون والتمثيل، لتلتحق لاحقًا بمعهد التمثيل الذي كان بوابة انطلاقها إلى عالم الفن.
وقد درست على يد عمالقة التمثيل في مصر، وكان لها من الأساتذة المخرج الكبير زكي طليمات، الذي رأى فيها موهبة مبكرة، وتنبأ لها بمستقبل واعد.
تُعد الفنانة الراحلة من أهم رموز المسرح المصري، وقد حملت على عاتقها تطوير الفن المسرحي على مدار عقود. شغلت منصب مديرة المسرح الحديث، كما كانت أول امرأة تتولى إدارة المسرح القومي، في سابقة فنية وثقافية تعكس مكانتها ووعيها الإداري.
قدمت مجموعة من أنجح وأشهر المسرحيات، منها:
الناس اللي في السما الثامنة
سكة السلامة
الدرس انتهى لموا الكراريس
السلطان الحائر
وكانت تحرص على المزج بين قوة الأداء الدرامي والرسالة الاجتماعية، مما جعل عروضها تحظى بجماهيرية كبيرة ونقد إيجابي.
رغم أن المسرح كان عشقها الأول، إلا أن الفنانة الراحلة تركت بصمة مهمة في السينما المصرية، خاصة في أدوار الأم والمرأة المثقفة. من أشهر أفلامها:
بين القصرين
إضراب الشحاتين
السراب
الطوق والإسورة
وقد تميز أداؤها السينمائي بالهدوء والواقعية، بعيدًا عن المبالغة، مما جعلها تحظى بإعجاب النقاد والمشاهدين على حد سواء.
دخلت سميحة أيوب عالم الدراما من أوسع أبوابه، وقدمت خلال مسيرتها أكثر من 40 مسلسلًا، نذكر منها:
ضمير أبلة حكمت
الساكنات في قلوبنا
الرحايا
العمة نور
قنديل البحر
خان القناديل
فرقة ناجي عطا الله
وكانت اختياراتها دائمًا دقيقة، حيث تميل إلى الشخصيات التي تحمل أبعادًا إنسانية عميقة، وتعكس الصراعات الاجتماعية والطبقية داخل المجتمع المصري.
على مدار مشوارها الطويل، حصلت الفنانة سميحة أيوب على العديد من الجوائز والتكريمات، أبرزها:
وسام الفنون والآداب من الطبقة الأولى من الرئيس جمال عبد الناصر.
وسام الاستحقاق من الرئيس أنور السادات.
جائزة الدولة التقديرية في الفنون.
جائزة النيل للمبدعين عام 2015، وهي أرفع جائزة تمنحها الدولة المصرية للفنانين.
اختيارها "شخصية العام المسرحية" في مهرجان أيام الشارقة المسرحية.
كما أُطلق اسمها على أحد مسارح مدينة الثقافة والفنون بالعاصمة الإدارية الجديدة.
تزوجت الفنانة سميحة أيوب ثلاث مرات، وكان أبرز زواج لها من الفنان الكبير محمود مرسي، والذي شاركها في العديد من الأعمال الفنية. عُرفت بحرصها على الخصوصية في حياتها الشخصية، وكانت دومًا تفضل الحديث عن الفن على حساب التفاصيل العائلية.
وقد مرّت بتجارب شخصية مؤثرة، خاصة خلال معركتها القضائية مع أحد الأزواج السابقين الذين أساءوا استخدام توقيعها في مسائل مالية، ما جعلها تتحدث لاحقًا عن أهمية الوعي القانوني للفنانين.
فور إعلان خبر الوفاة، سادت حالة من الحزن الشديد في الوسط الفني، وانهالت كلمات النعي من كبار الفنانين والمخرجين والنقاد.
أعلن نقيب المهن التمثيلية أن جنازة الفنانة الراحلة ستُقام بعد ظهر اليوم من مسجد الحامدية الشاذلية بمنطقة المهندسين، على أن يُوارى جثمانها الثرى في مقابر الأسرة.
ومن المقرر أن يُقام عزاء رسمي يوم الخميس المقبل بمسرح السلام، بحضور كبار الفنانين والمسؤولين ومحبّي الفنانة الراحلة.
لم تكن سميحة أيوب فنانة فحسب، بل كانت معلمة وأمًا روحية لأجيال كاملة من الفنانين. ساهمت في اكتشاف ورعاية العديد من المواهب الشابة، وكان لها دور بارز في دعم الفنانات في بداية مشوارهن، ومنهن من أصبحن نجمات لامعات في الوقت الحالي.
كما كانت دائمًا حاضرة في الندوات والفعاليات الفنية، تناقش، تنتقد، وتدافع عن قضايا المسرح، وتُطالب بدعم الدولة له بوصفه أساسًا للثقافة.
برحيل سميحة أيوب، يطوي الفن المصري والعربي صفحة ذهبية من تاريخه. لكن تبقى أعمالها شاهدة على عقلٍ راقٍ، وموهبة استثنائية، وإرث فني لا يُقدّر بثمن.
ستظل ذكراها حيّة في قلوب محبيها، على خشبة المسرح، وشاشات التلفزيون، وفي كل من تربى على صوتها وأدائها.
رحلت سميحة أيوب، ولكن المسرح سيظل يردد صوتها، والدراما ستذكر وقارها، والسينما ستحتفي بجمال حضورها.. وداعًا يا سيدة المسرح العربي.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt