في ظل اتساع رقعة منصات التواصل الاجتماعي وازدياد عدد صناع المحتوى، بات السعي خلف "التريند" والمشاهدات هدفًا أساسيًا لدى البعض، حتى لو كان ذلك على حساب الأخلاق العامة أو القوانين المنظمة للمجتمع. وفي واقعة جديدة أثارت جدلًا واسعًا، تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط صانعة محتوى اعتادت استخدام ألفاظ خارجة وسلوكيات غير لائقة في فيديوهاتها، بهدف جذب أكبر عدد من المتابعين وتحقيق أرباح مالية من المنصات.
التحرك الأمني جاء بعد ورود عدة بلاغات من مواطنين، بالإضافة إلى رصد الأجهزة المختصة لمقاطع فيديو متداولة عبر تطبيقات شهيرة، تتضمن محتوى خادشًا للحياء العام، وتستخدم فيه صانعة المحتوى لغة مبتذلة ومشاهد غير لائقة، لا تتناسب مع القيم الاجتماعية.
وعلى الفور تم تتبع الحسابات الخاصة بالمتهمة والتأكد من هوية القائم عليها، وبناءً عليه تم استخراج إذن من النيابة العامة، وأُلقي القبض عليها في مسكنها بأحد أحياء القاهرة، كما تم التحفظ على عدد من الأجهزة الإلكترونية المستخدمة في إنتاج الفيديوهات.
أمرت النيابة العامة بحبس المتهمة احتياطيًا على ذمة التحقيقات، ووجهت لها تهمًا تتعلق بـ:
نشر محتوى إباحي خادش للحياء.
الإساءة إلى قيم ومبادئ المجتمع.
استغلال وسائل التواصل في تحقيق مكاسب غير مشروعة.
التأثير السلبي على سلوكيات الشباب والأطفال.
وخلال جلسة التحقيق الأولى، أقرت المتهمة بأنها كانت تسعى لجذب عدد أكبر من المتابعين، ولم تكن تتوقع أن يتم اتخاذ إجراءات قانونية ضدها، مؤكدة أنها كانت تقلد غيرها من صناع المحتوى دون إدراك للعواقب.
بحسب التحقيقات، اتضح أن الهدف الأساسي للمتهمة كان تحقيق أرباح شهرية من خلال الإعلانات والمشاهدات على المنصات المختلفة، لا سيما أن هذه المنصات تمنح عوائد مادية كبيرة لصناع المحتوى الذين يحققون نسب مشاهدة مرتفعة.
وأشارت التقارير إلى أن المتهمة كانت تدر دخلاً شهريًا يتراوح ما بين عشرة إلى خمسة عشر ألف جنيه من محتواها، مما دفعها للاستمرار بل وتجاوز الخطوط الحمراء لتظل في صدارة المشاهدات.
أثارت الواقعة ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ عبر العديد من المستخدمين عن استيائهم مما وصلت إليه بعض المحتويات المنتشرة على الإنترنت، والتي باتت لا تخضع لأي رقابة حقيقية، مطالبين الجهات المسؤولة بالتصدي لتلك الظواهر بقوة.
وكتب أحد المستخدمين قائلاً: "ما يحدث على هذه التطبيقات يمثل خطرًا على أجيال كاملة، يجب محاسبة كل من يحاول التربح على حساب قيم المجتمع". بينما قال آخر: "الشهرة لا يجب أن تكون مبررًا لتدمير الذوق العام".
في المقابل، ظهرت بعض الأصوات التي دعت إلى مراعاة الظروف الاجتماعية للمتهمة، مشيرين إلى أنها شابة صغيرة وربما كانت ضحية للجهل وغياب التوجيه. ورغم ذلك، فإن الأغلبية أجمعت على أهمية تطبيق القانون بشكل صارم، واعتبار مثل هذه الحالات رسالة تحذير لكل من تسول له نفسه الإساءة إلى المجتمع.
خبراء الاجتماع يرون أن انتشار المحتوى الهابط والإباحي على المنصات الرقمية يسهم في خلق بيئة منحرفة أخلاقيًا، خصوصًا مع غياب الرقابة الأسرية وافتقار بعض الشباب للوعي الكافي للتمييز بين ما هو مقبول ومرفوض.
كما أكدوا أن مثل هذه الظواهر تترك أثرًا سلبيًا مباشرًا على الأطفال والمراهقين، وقد تؤدي إلى تغيير في سلوكياتهم واهتماماتهم، حيث يبدأ البعض في تقليد هذه النماذج بدافع الفضول أو الطموح السريع نحو الشهرة والمال.
يتساءل كثيرون: هل تتحمل المنصات التي يتم من خلالها بث هذا النوع من المحتوى مسؤولية قانونية أو أخلاقية؟ الحقيقة أن معظم هذه المنصات تمتلك سياسات استخدام واضحة تمنع نشر المواد الإباحية أو المخالفة للقوانين المحلية، لكنها تعتمد في المقام الأول على بلاغات المستخدمين أو خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد المخالفات.
في حالات كثيرة، تمر هذه المقاطع دون رقابة فعالة، خصوصًا إذا تم إخفاؤها تحت عناوين جذابة، أو تم التلاعب بالمحتوى ليظهر وكأنه ساخر أو ترفيهي رغم ما يحتويه من تجاوزات.
دور الأسرة لا يقل أهمية عن دور الدولة في مكافحة هذه الظواهر، إذ ينبغي على الآباء والأمهات مراقبة ما يشاهده أبناؤهم، وتقديم التوجيه اللازم حول كيفية التعامل مع المحتوى الرقمي. كما أن المؤسسات التعليمية والدينية مطالبة بلعب دور أكبر في نشر الوعي الرقمي، وتحفيز الشباب على استخدام الإنترنت بشكل إيجابي.
فغياب الوعي والرقابة المجتمعية يجعل من السهل على هذه المحتويات أن تتغلغل في حياة الشباب، وتتحول إلى سلوك يومي عادي دون أي استنكار.
تؤكد الواقعة أن الردع القانوني يبقى هو الوسيلة الأهم في التعامل مع هذه النوعية من الانحرافات، فلا يكفي فقط حذف الحسابات أو إزالة الفيديوهات، بل يجب محاسبة المتورطين قانونيًا، حتى يكونوا عبرة لغيرهم.
وقد تم تعديل عدد من القوانين مؤخرًا في هذا الصدد، حيث تم إدراج بعض الجرائم الإلكترونية الجديدة، ورفع مستوى العقوبات المتعلقة بالتحريض على الفسق أو نشر المحتوى الإباحي.
لم تكن هذه الواقعة الأولى من نوعها، فقد شهدت الفترة الأخيرة عددًا من الحالات المشابهة، تم خلالها ضبط صناع محتوى بتهم تتعلق بالإساءة إلى القيم العامة أو التربح من محتوى غير أخلاقي. هذا ما يشير إلى وجود ظاهرة بحاجة إلى وقفة حاسمة من كل الجهات المعنية.
إن انتشار المحتوى الإباحي أو المسيء على الإنترنت هو تحدٍ أخلاقي وقانوني وثقافي، لا يمكن التغاضي عنه. فالدولة، والأجهزة الأمنية، والقضاء، والمنصات الرقمية، والمؤسسات الاجتماعية، والأسرة، جميعهم مسؤولون عن تشكيل منظومة متكاملة لحماية المجتمع من هذا الانحدار.
ولعل الواقعة الأخيرة تكون إنذارًا لكل من يسعى للربح السريع من خلال الانحراف بالمحتوى، وتأكيدًا على أن القانون لن يتهاون في مواجهة أي تجاوز يهدد أمن المجتمع أو يعبث بقيمه الراسخة. فالمشاهدات لا تبرر الانحلال، والتكنولوجيا يجب أن تبقى وسيلة للنهوض لا وسيلة للانحدار.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt