تُعد الشامات (أو الوحمات الصبغية) مظاهر جلدية شائعة تظهر لدى معظم البشر منذ الطفولة، وقد تستمرّ في الظهور حتى العقد الثالث من العمر. في العادة تكون حميدة وغير مقلقة، بل يرى البعض أنها سمة جمالية مميزة. لكن التغييرات المفاجئة في شكل الشامة أو لونها قد تكون جرس إنذار مبكر لاحتمال الإصابة بسرطان الجلد، وخصوصًا الميلانوما الخبيثة. يشير أطباء الجلدية إلى أن 70% من سرطانات الميلانوما تنشأ من شامات تحوّلت عبر الزمن، بينما ينشأ الباقي على جلد خالٍ سابقًا من أي وحمات. لذلك فإن التوعية بطريقة الفحص الذاتي المنتظم للشامات واكتشاف التغيّرات في بدايتها يرفع معدلات الشفاء إلى مستويات تتجاوز 90%.
تنشأ الشامة عندما تتجمّع الخلايا الصبغية (الميلانوسايت) في نقطة معيّنة من الجلد بدلاً من توزيعها المنتظم. هذه الخلايا تنتج الميلانين المسؤول عن اللون البني أو الأسود في الجلد والشعر. تتأثر كثافة الشامات بعدة عوامل وراثية وبيئية؛ فالتعرّض لأشعة الشمس، خصوصًا في مرحلة الطفولة، يزيد عددها. وغالبًا ما تكون الشامات حميدة ثابتة المظهر، إلا أن الطفرات الجينية أو الضرر الخلوي الناتج عن الأشعة فوق البنفسجية قد يحفّز تحوّلها إلى خلايا سرطانية.
يستخدم أطباء الجلد قاعدة ذائعة تسمّى قاعدة ABCDE لتقييم خطورة أي شامة، وكل حرف يمثّل صفة يجب مراقبتها:
A = Asymmetry (عدم التماثل): إذا قُسّمت الشامة نصفين، هل يتطابقان؟ عدم التماثل علامة إنذار.
B = Border (حواف غير منتظمة): الحواف الطبيعية للشامة تكون واضحة ودائرية، بينما الحواف المسننة أو المتعرّجة قد تشير إلى مشكلة.
C = Colour (تعدّد الألوان): وجود أكثر من درجة لونية داخل الشامة (بني، أسود، أحمر) يرفع احتمالية الخطر.
D = Diameter (القطر): القطر الأكبر من 6 مليمترات (بحجم ممحاة القلم) يُفضَّل فحصه، مع العلم أن بعض الميلانوما تبدأ أصغر.
E = Evolving (التطوّر): أي تغيير في الحجم أو الشكل أو اللون خلال أسابيع أو أشهر يستدعي الاستشارة الطبية الفورية.
ليست كل الشامات متماثلة في درجة خطورتها؛ فهناك سمات تجعل مراقبتها أو إزالتها أكثر إلحاحًا:
الشامة الخلقية الكبيرة: التي يولد بها الطفل ويتجاوز قطرها 2 سنتيمتر؛ يزيد احتمال تحوّلها الخبيث مع العمر.
الشامات غير النمطية: ذات حواف غير واضحة وتلوّن متدرّج، خصوصًا لدى من لديهم تاريخ عائلي مع الميلانوما.
التعرّض المفرط للشمس: حروق الشمس المتكررة تنشّط الشامات وتحفز الطفرات.
العدد الكبير للشامات: تجاوز 50 شامة على كامل الجسم يرفع معدّل الخطر.
ضعف المناعة: مرضى زراعة الأعضاء أو العلاجات المثبطة للمناعة أكثر قابلية للتحوّل السرطاني.
لتقليل القلق وضمان الكشف المبكر، يُوصى بعمل فحص ذاتي مرة كل شهرين على النحو التالي:
استخدم مرآة كبيرة أمامية وأخرى يدوية لفحص الظهر.
خذ صورًا للشامات الكبيرة أو غير التقليدية مع تسجيل التاريخ، فتسهل مقارنة التغيّرات.
ابدأ بفروة الرأس مستخدمًا مشطًا لفصل الشعر.
افحص الوجه بما فيه الأنف والأذنان والأغشية المخاطية للشفتين.
انزل تدريجيًا إلى الرقبة، الصدر، الجذع، الكتفين، وتحت الإبطين.
باستخدام المرآة اليدوية، فحص الظهر والأرداف وخلف الفخذين.
لا تنس باطن كفّ اليد، الأظافر، وبين الأصابع.
أخيرًا افحص الساقين، الكاحلين، وأخمص القدم وبين أصابعها.
تدوين الملاحظات: أي شامة جديدة أو متغيرة تُسجَّل ويتم إعادة التقييم بعد شهر.
ظهور شامة جديدة بعد سن الثلاثين.
نزيف أو حكة مستمرة في شامة قديمة.
تغيّر مفاجئ خلال أسابيع في اللون أو الارتفاع عن سطح الجلد.
شعور بألم أو احمرار حول الشامة.
وجود تاريخ شخصي أو عائلي بسرطان الجلد.
عند زيارة الطبيب، قد يستخدم إحدى الوسائل الآتية:
الدرموسكوب: عدسة مكبرة مع مصدر ضوء تكشف التركيبات الداخلية للشامة وتحدد احتياجها للخزعة.
الخزعة الجزئية أو الكاملة: أخذ عينة نسيجية لفحصها تحت المجهر، وهو المعيار الذهبي للتشخيص.
تصوير الجسم الكلي: تقنية حديثة ترسم خريطة رقمية للشامات ومقارنتها دوريًّا.
إذا أثبتت الخزعة تحول الشامة إلى ميلانوما في مرحلة مبكرة، تكون الخيارات العلاجية فعّالة جدًا وتشمل:
الاستئصال الجراحي البسيط: إزالة الورم بهوامش آمنة من الجلد السليم.
الجراحة الميكروسكوبية (موس): تُستخدم في المناطق الحساسة كالوجه لضمان إزالة الخلايا السرطانية بدقة مع الحفاظ على الأنسجة.
العلاج المناعي الموضعي: كريمات تحفز الجهاز المناعي لمهاجمة الخلايا السرطانية السطحية.
العلاج الإشعاعي أو المستهدف: للحالات المتقدمة أو غير القابلة للجراحة.
استخدام واقي الشمس بعامل حماية لا يقل عن 30، ويُعاد وضعه كل ساعتين.
ارتداء ملابس فاتحة ونظارات وقبعات عريضة الحواف.
تجنب أجهزة التسمير الصناعية.
الالتزام بالفحص الذاتي والنفسي كل عامين لدى طبيب الجلد، خاصة لمن لديهم عوامل خطر.
إن الشامات في معظم الأحيان ظاهرة جلدية حميدة، لكنها قد تتحول إلى إنذار صحي إذا أهملنا مراقبتها أو تجاهلنا تغيراتها. الفحص الذاتي الدوري، والوعي بقاعدة ABCDE، وزيارة الطبيب عند ظهور أي علامة غير طبيعية كفيلة بحمايتك من سرطان الجلد أو كشفه في مراحله المبكرة ذات نسب الشفاء العالية. اجعل من مراقبة بشرتك عادةً شهرية، لتحمي نفسك ومن تحب، وتعيش سنواتك القادمة بثقة وصحة أفضل.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt