تشكل مرحلة ما بعد الولادة واحدة من أكثر المراحل حساسية في حياة الطفل، حيث يكون الجسم لا يزال في طور التكيف مع الحياة خارج الرحم، وتكون معظم الأجهزة الحيوية غير مكتملة النضج. من أبرز المشكلات التي قد تواجه بعض الأطفال في الأيام الأولى من حياتهم هي ما يُعرف بـ"حمى الجفاف"، وهي حالة تستدعي الانتباه والتدخل السريع من الأطباء والأمهات على حد سواء.
في هذا التقرير نستعرض معنى حمى الجفاف، أسبابها، أعراضها الظاهرة، أبرز طرق التشخيص، وكيف يمكن الوقاية والعلاج بطريقة آمنة وفعالة.
حمى الجفاف هي ارتفاع مؤقت في درجة حرارة الطفل حديث الولادة نتيجة نقص السوائل في الجسم. وغالبًا ما تظهر هذه الحالة خلال الأيام الأولى بعد الولادة، خاصة عند الأطفال الذين يعتمدون على الرضاعة الطبيعية فقط ولا يحصلون على كميات كافية من الحليب.
الحمى هنا ليست بسبب عدوى، بل نتيجة فقدان الجسم للسوائل دون تعويضها، مما يؤدي إلى اختلال توازن الحرارة والسوائل.
من الضروري التفريق بين نوعين من الحمى:
الحمى العادية: تحدث بسبب عدوى بكتيرية أو فيروسية، وتكون مصحوبة بأعراض مثل السعال، الرشح، أو الطفح الجلدي.
حمى الجفاف: لا تكون ناتجة عن عدوى، بل بسبب فقدان الماء من جسم الطفل، وتزول بمجرد تعويض السوائل بشكل مناسب.
تتنوع أسباب إصابة الطفل حديث الولادة بحمى الجفاف، ومن أهمها:
قلة الرضاعة: عدم حصول الطفل على كميات كافية من حليب الأم، خاصة في الأيام الأولى بعد الولادة.
صعوبة المص عند الرضع الخُدّج أو ضعاف البنية: مما يؤدي إلى نقص التغذية والسوائل.
تأخر نزول اللبن (لبن السرسوب): في بعض الحالات قد يتأخر نزول الحليب الطبيعي مما يسبب نقصًا في الرضاعة.
الطقس الحار والرطوبة العالية: تؤدي إلى زيادة فقدان السوائل عبر الجلد.
زيادة التبول أو الإخراج دون تعويض كافٍ: وهو شائع عند بعض الأطفال.
تظهر عدة أعراض تدل على إصابة الطفل بحمى الجفاف، منها:
ارتفاع درجة الحرارة لتتجاوز 38 درجة مئوية دون وجود سبب واضح مثل نزلة برد أو عدوى.
جفاف الشفاه والفم بشكل ملحوظ.
قلة التبول أو تغير لون البول إلى الأصفر الغامق.
قلة عدد الحفاضات المبللة يوميًا (أقل من 6 حفاضات خلال 24 ساعة).
الانزعاج أو البكاء الشديد مع صعوبة في التهدئة.
فقدان الوزن خلال أول أسبوع بعد الولادة بنسبة تزيد عن 10%.
انخفاض مرونة الجلد وتأخر ارتداده بعد شده.
بعض الحالات تتطلب التدخل الفوري ونقل الطفل إلى المستشفى، خاصة إذا ظهرت الأعراض التالية:
الخمول الشديد أو النعاس الزائد دون قدرة على الاستيقاظ.
بكاء ضعيف أو غير معتاد.
نوبات تشنج أو فقدان وعي مؤقت.
عدم وجود دموع أثناء البكاء.
تيبّس الأطراف أو صعوبة الحركة.
كل هذه العلامات تشير إلى أن الجفاف أصبح شديدًا ويهدد حياة الطفل.
يعتمد الأطباء على عدة عوامل لتأكيد إصابة الطفل بحمى الجفاف، من أبرزها:
الفحص السريري لدرجة الحرارة ولون الجلد والعيون.
قياس الوزن بدقة ومقارنته بالوزن عند الولادة.
مراجعة جدول الرضاعة وعدد الحفاضات المبللة.
تحاليل الدم والبول في بعض الحالات للتأكد من حالة الجسم.
علاج حمى الجفاف بسيط لكنه يتطلب سرعة في التنفيذ، ويتم وفقًا للتالي:
زيادة عدد الرضعات اليومية وتشجيع الطفل على المص لفترات أطول.
استخدام اللبن الصناعي المكمل في حالة ضعف الرضاعة الطبيعية أو تأخر نزول اللبن، ويكون ذلك بتوصية الطبيب.
الرضاعة كل ساعتين إلى ثلاث ساعات حتى لو لم يطلب الطفل، لضمان تعويض السوائل.
الانتباه لعلامات التحسن مثل انخفاض درجة الحرارة، زيادة البلل في الحفاضات، وهدوء الطفل بعد الرضاعة.
إذا تم التعامل مع الحالة بسرعة وفعالية، فلن تؤثر على صحة الطفل أو تطوره العصبي والنفسي لاحقًا. لكن إهمالها أو تأخير العلاج قد يؤدي إلى مضاعفات مثل:
تأخر في النمو وزيادة الوزن.
مشاكل في وظائف الكلى.
اضطراب في الجهاز العصبي بسبب نقص السوائل.
الرضاعة مبكرًا بعد الولادة: يُفضل البدء بالرضاعة خلال الساعة الأولى من عمر الطفل.
الرضاعة حسب الطلب وليس بالساعة فقط.
التأكد من وضعية الرضاعة الصحيحة ومتابعة علامات الشبع.
مراقبة وزن الطفل خلال الأسبوع الأول بشكل يومي تقريبًا.
الانتباه للطقس الحار وعدم لف الطفل بعدة طبقات تؤدي إلى التعرق المفرط.
تلعب الأم دورًا محوريًا في الوقاية والعلاج، من خلال:
تقديم الرضاعة بشكل متكرر دون الانتظار للبكاء.
مراقبة لون البول وعدد مرات التبول.
متابعة مواعيد التطعيم والزيارات الدورية لطبيب الأطفال.
طلب المساعدة فور ظهور علامات الحمى أو الجفاف.
حمى الجفاف عند حديثي الولادة ليست مرضًا خطيرًا إذا تم اكتشافها مبكرًا ومعالجتها بسرعة، لكنها قد تتحول إلى خطر حقيقي إذا أُهملت أو تأخرت الرعاية. الأمهات الجدد بحاجة إلى وعي ومتابعة دقيقة لأطفالهن في الأيام الأولى، ومراعاة أي تغير بسيط قد يُشير إلى نقص السوائل أو الغذاء.
التوازن في الرضاعة، مراقبة الأعراض، واستشارة الطبيب فورًا هي مفاتيح الحماية.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt