يُعد مرض "العظام الزجاجية" أو كما يُعرف علميًا باسم "تَكَوُّن العظم الناقص" (Osteogenesis Imperfecta) من الأمراض الوراثية النادرة التي تصيب الأطفال منذ الولادة. يتميز هذا المرض بهشاشة شديدة في العظام، تجعلها أكثر عرضة للكسر عند أقل مجهود أو حتى أثناء الحركات الطبيعية اليومية، لذا يُشبه الأطباء عظام المصابين به بـ"الزجاج"، ومن هنا جاء الاسم الشائع.
في كثير من الحالات، تبدأ أعراض العظام الزجاجية في الظهور منذ الطفولة المبكرة، بل وقد تُلاحظ بعض العلامات أثناء الحمل من خلال الأشعة الصوتية. الطفل المصاب قد يتعرض لكسور متكررة دون سبب واضح، مثل السقوط الخفيف أو عند حمله بشكل عادي. كما أن هناك علامات خارجية قد تلفت نظر الأهل، مثل:
تأخر في النمو أو الطول.
ليونة شديدة في المفاصل.
تشوهات في الهيكل العظمي، خاصة في العمود الفقري أو الساقين.
ضعف في السمع مع التقدم في العمر.
تغير لون الجزء الأبيض من العين إلى الأزرق أو الرمادي.
ينقسم المرض إلى عدة أنواع تختلف في شدتها وأعراضها، وتصنّف بحسب الجينات المسؤولة وطبيعة التكوين الكولاجيني للعظام:
النوع الأول: الأخف حدة، وقد يعيش المريض حياة شبه طبيعية مع بعض الكسور القليلة.
النوع الثاني: هو الأشد خطورة، وغالبًا ما يؤدي إلى الوفاة خلال فترة الرضاعة.
النوع الثالث: متوسط إلى شديد، ويصاحبه تشوهات واضحة في العظام.
النوع الرابع: معتدل الشدة، ولكن تتكرر فيه الكسور.
أنواع أخرى نادرة: تم اكتشافها مؤخرًا ولها صفات جينية مميزة.
السبب الأساسي للمرض يعود إلى خلل في الجينات المسؤولة عن إنتاج بروتين الكولاجين من النوع الأول، وهو المكوّن الأساسي للعظام، حيث يُعطيها الصلابة والمرونة. هذا الخلل قد يكون:
وراثيًا من أحد الأبوين (غالبًا من الأم أو الأب المصاب).
أو طفرة جينية جديدة تحدث للمرة الأولى عند الطفل دون وجود إصابة في العائلة.
تشخيص العظام الزجاجية يحتاج إلى تقييم شامل من قبل طبيب متخصص في العظام أو الوراثة. وتتضمن الخطوات التالية:
الفحص السريري: لملاحظة الكسور المتكررة، أو تشوهات في العظام.
الأشعة السينية: لرؤية درجة هشاشة العظام وعدد الكسور.
اختبارات الدم: للتأكد من وجود خلل في مكونات العظم.
الفحص الجيني: للتأكد من وجود الطفرة الوراثية.
الموجات فوق الصوتية أثناء الحمل: قد تكشف عن وجود تشوهات عظمية مبكرًا.
حتى الآن، لا يوجد علاج نهائي للمرض، لكن هناك العديد من الوسائل التي تساعد على تقليل الأعراض وتحسين جودة الحياة:
البيسفوسفونات (Bisphosphonates): تُستخدم لتقوية العظام وتخفيف الكسور.
مكملات الكالسيوم وفيتامين د لتقوية بنية العظام.
تمارين تقوية العضلات وتحسين التوازن لمنع السقوط.
برامج إعادة التأهيل الحركي لتحسين القدرة على المشي.
تثبيت العظام المكسورة بالشرائح والمسامير.
تقويم العظام في حالة التشوهات الشديدة.
الدعم النفسي للطفل والأهل لمواجهة التحديات اليومية.
تقديم برامج تعليمية خاصة للأطفال المصابين لضمان مشاركتهم المجتمعية.
نظرًا لأن المرض في الغالب وراثي، فإن الوقاية الكاملة منه ليست ممكنة، لكن هناك خطوات مهمة يمكن اتباعها لتقليل المخاطر:
في حال وجود تاريخ عائلي للإصابة، يُنصح المقبلون على الزواج بإجراء تحليل وراثي لتحديد احتمالية انتقال المرض للأبناء.
إذا كانت الأم أو الأب حاملين للمرض، فيُفضل المتابعة الدقيقة للحمل، وإجراء فحوصات متقدمة لاكتشاف أي تشوهات مبكرًا.
تهيئة بيئة آمنة داخل المنزل للطفل المصاب (أرضيات غير زلقة، إزالة الأثاث الحاد، وسائل دعم أثناء المشي) يقلل من نسب التعرض للكسور.
لا تبالغ في الحماية: الطفل يحتاج أن يشعر بالاستقلالية مع الحرص على الأمان.
تواصل دائم مع الطبيب: لتعديل العلاجات أو برامج التأهيل حسب المرحلة العمرية.
تشجيع الطفل على الحركة الآمنة: وتجنب المنع الكامل من اللعب أو المشاركة الاجتماعية.
استخدام أدوات المساعدة المناسبة: مثل الكراسي المتحركة أو الدعامات عند الحاجة.
يعتمد الأمر على شدة الحالة، فالمصابون بالأنواع الخفيفة يمكن أن يعيشوا حياة طبيعية مع احتياطات بسيطة، ويتمكنون من الدراسة، والعمل، والزواج. أما الأنواع الشديدة فتحتاج إلى متابعة طبية مستمرة، وقد تتطلب تدخلات جراحية متكررة، لكن بفضل التطورات الحديثة في العلاج والتأهيل، فإن الكثير من المصابين يتمكنون من التكيف والنجاح في حياتهم.
مرض العظام الزجاجية لا يعني نهاية الحياة أو الحرمان من الطفولة الطبيعية، بل هو تحدٍ يمكن التعامل معه بالعناية الطبية والتأهيل والدعم الأسري. التوعية بالمرض وطرق التعامل معه تُمثل فارقًا كبيرًا في حياة المصاب، وتمنحه فرصة للاندماج والتطور كباقي الأطفال.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt