يُعد الإحرام الركن الأساسي الذي يدخل به المسلم في مناسك الحج أو العمرة، وهو حالة دينية وروحية تتطلب التزامًا بمجموعة من المحظورات التي لا يجوز للمُحرِم ارتكابها. وتثار تساؤلات كثيرة حول ما يجب على الحاج فعله إذا خالف بعض تلك المحظورات سواء عن عمد أو عن جهل. وفي هذا السياق، تناول الدكتور يسري جبر، أحد علماء الأزهر الشريف، هذا الموضوع بالتفصيل، موضحًا ما يترتب على الحاج في حال الوقوع في مخالفة.
في هذه المقالة نستعرض أبرز محظورات الإحرام، ونشرح الأحكام الفقهية المرتبطة بها، كما نوضح ما يجب على الحاج فعله إذا ارتكب محظورًا أثناء أدائه للمناسك، وفقًا لما جاء على لسان الدكتور يسري جبر.
الإحرام هو نية الدخول في النسك، سواء للحج أو العمرة، ويُعتبر أول خطوة فعلية يلتزم بها المسلم لأداء الشعائر. لا يُقصد بالإحرام ارتداء الملابس البيضاء فقط، بل هو حالة شرعية تُقيّد المسلم عن مجموعة من الأفعال التي كانت مباحة له قبل الإحرام.
تكمن أهمية الإحرام في كونه تذكيرًا للمسلم بالتجرد من متاع الدنيا والتقرب إلى الله بنية خالصة، كما أنه رمز للمساواة بين جميع الحجاج، بغض النظر عن جنسهم أو مكانتهم الاجتماعية.
محظورات الإحرام هي الأمور التي يُمنع المحرم من القيام بها طوال فترة إحرامه، ومن أبرزها ما يلي:
قص الشعر أو الأظافر
التطيب بأي نوع من العطور
لبس المخيط (للرجال)
تغطية الرأس (للرجال) أو تغطية الوجه (للنساء، على خلاف فقهي)
الصيد البري
عقد الزواج أو الترويج له
الجماع أو مقدماته
تُفرض هذه المحظورات كوسيلة لرفع درجة الانضباط والتجرد من شهوات النفس أثناء أداء النسك.
أجاب الدكتور يسري جبر بأن الأحكام تختلف باختلاف نوع المحظور، وطريقة ارتكابه، ونية الفاعل. ويمكن تقسيم الأحكام إلى ثلاث حالات رئيسية:
صيام ثلاثة أيام
إطعام ستة مساكين (لكل مسكين نصف صاع)
ذبح شاة وتوزيعها على فقراء الحرم
إذا فعل الحاج ذلك متعمدًا فعليه الفدية التي سبق ذكرها. أما إذا سقط الشعر أو الأظافر من غير قصد أو بسبب مرض، فلا شيء عليه.
يشمل ذلك أي نوع من العطور أو الصابون المعطر، فإن وقع فيه المحرم عامدًا، فعليه فدية، وإن كان ناسيًا أو جاهلاً فلا شيء عليه.
إذا لبس الرجل المخيط أو غطى رأسه عمدًا، فعليه فدية. أما النساء فلهن ارتداء المخيط، ولكن لا يجوز تغطية الوجه أو الكفين عند بعض الفقهاء.
هذا المحظور لا يتطلب فدية، ولكن الفعل نفسه باطل، وعقد الزواج لا ينعقد في هذه الحالة. قال الدكتور يسري جبر: "العقد يقع باطلًا في حال الإحرام، ولا يُعتدّ به شرعًا، سواءً من المُحرِم أو الطرف الآخر".
يحرم صيد البر على المحرم، ويجب فيه الجزاء (ذبح مثل ما صيد من بهيمة الأنعام أو إطعام مساكين أو صيام)، حسب ما ورد في سورة المائدة.
أكد الدكتور يسري جبر أن كثيرًا من الحجاج يقعون في هذه المحظورات بسبب الجهل أو عدم حضور دروس التوعية قبل السفر. ولذلك، شدد على أهمية تلقي العلم وقراءة كتيبات المناسك المعتمدة من الأزهر أو وزارة الأوقاف.
كما أوضح أن الإسلام دين رحمة، وأن القاعدة العامة تقول: "لا إثم على من نسي أو جهل، ولكن لا بد من التعلم وأخذ الحيطة."
أشار الدكتور يسري جبر إلى أن الحكم لا يسقط بمرور الزمن، فإذا علم الحاج لاحقًا بوقوعه في محظور وكان متعمدًا، يجب عليه دفع الفدية حتى لو عاد إلى بلده. أما إن كان ناسيًا أو جاهلًا، فليس عليه شيء.
حضور دروس الإحرام قبل السفر
اصطحاب كتيب المناسك المعتمد
سؤال العلماء فورًا عند الوقوع في حيرة أو التباس
اجتناب الفتاوى العشوائية أو غير المعتمدة
محظورات الإحرام وُضعت لتهذيب النفس، ورفع درجة التقرب من الله، وجعل الحج تجربة خالصة لا تشوبها شهوات أو مخالفات. وعلى كل حاج أن يستعد علميًا وقلبيًا لهذه الرحلة العظيمة، وأن يكون على دراية تامة بما يجب فعله وما يجب اجتنابه. وفي حال الوقوع في مخالفة، فالشريعة الإسلامية دائمًا تفتح باب التوبة والفدية لتصحيح المسار دون تعسير.
وفي النهاية، يبقى الالتزام بتعاليم الإحرام ليس فقط واجبًا دينيًا، بل تجربة روحية تعكس الطاعة والخشوع في أسمى صورهما.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt