مع اقتراب موعد الانقلاب الصيفي في 21 يونيو 2025، يعود الحديث مجددًا عن واحدة من أغرب الظواهر الطبيعية التي تثير دهشة واهتمام العلماء وعامة الناس على حد سواء، وهي ظاهرة "شمس منتصف الليل". في هذا اليوم، لا تغرب الشمس إطلاقًا في بعض المناطق، بينما لا تشرق على الإطلاق في مناطق أخرى، ما يمثل تجربة استثنائية فريدة لعشاق الفلك ومحبي الظواهر الكونية.
في هذا التقرير المفصل، نستعرض معنى الانقلاب الصيفي، تأثيره على توزيع الضوء والظلام، والبلدان التي تشهد هذه الظاهرة الغريبة، بالإضافة إلى تفسيرها العلمي، وتأثيراتها على الإنسان والطبيعة.
الانقلاب الصيفي هو لحظة فلكية تحدث عندما تميل الأرض بأقصى درجة نحو الشمس، وتكون الشمس في أعلى نقطة لها في السماء عند الظهيرة. هذا الحدث يحدث عادة بين 20 و21 يونيو في نصف الكرة الشمالي من الأرض، ويُعد اليوم الأطول في السنة من حيث عدد ساعات النهار.
في المقابل، يكون الانقلاب الشتوي هو اليوم الأقصر نهارًا والأطول ليلًا. وهكذا، يمثل الانقلاب الصيفي بداية فصل الصيف رسميًا وفقًا للتقويم الفلكي.
ظاهرة "شمس منتصف الليل" تحدث نتيجة ميل محور الأرض أثناء دورانها حول الشمس. حيث تميل الأرض بمقدار 23.5 درجة، مما يسمح لبعض المناطق القريبة من القطبين بالحصول على ضوء الشمس على مدار 24 ساعة خلال فترة معينة من السنة.
خلال الانقلاب الصيفي في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، تظل الشمس فوق الأفق طوال اليوم في بعض المناطق القطبية، ما يؤدي إلى استمرار النهار وعدم حلول الظلام إطلاقًا.
ظاهرة شمس منتصف الليل تحدث في المناطق الواقعة ضمن دائرة القطب الشمالي، أي شمال خط العرض 66.5 درجة. ومن أبرز الأماكن التي تُرصد فيها هذه الظاهرة:
تُعد النرويج من أكثر الدول شهرة في رصد شمس منتصف الليل، خصوصًا في بلدة "ترومسو" وجزر "سفالبارد" التي تشهد شروق الشمس المستمر من أبريل حتى أغسطس.
في شمال هذه الدول، تظل الشمس مشرقة طوال اليوم في فترة الانقلاب الصيفي، وتتحول الليالي إلى ما يشبه النهار.
في شمال كندا، خاصة المناطق التابعة لإقليم "نونافوت"، يمكن مشاهدة الشمس تبقى مشرقة لعدة أيام متتالية دون أن تغرب.
مدينة "بارو" (التي تغير اسمها إلى "أوتكياغفيك") تشهد شمسًا لا تغيب من أواخر مايو وحتى نهاية يوليو.
في أقصى الشمال الروسي، خاصة في منطقة مورمانسك وسيبيريا العليا، تستمر الشمس في السطوع لأسابيع متتالية.
في المقابل، وخلال نفس الفترة من السنة، تشهد بعض المناطق الواقعة ضمن دائرة القطب الجنوبي ليالٍ قطبية لا تشرق فيها الشمس مطلقًا، حيث تغرق في الظلام الدامس، وتعرف هذه الظاهرة باسم "الليل القطبي".
تختلف مدة استمرار هذه الظاهرة من منطقة لأخرى، فكلما اقتربنا من القطب الشمالي، زادت عدد الأيام التي لا تغرب فيها الشمس. في بعض الأماكن، تستمر الظاهرة لأيام معدودة، بينما في مناطق أخرى قد تمتد إلى أكثر من 60 يومًا متواصلة.
رغم أن مشاهدة شمس منتصف الليل تجربة فريدة وساحرة، إلا أن لها تأثيرات نفسية وبيولوجية على السكان. من أبرز هذه التأثيرات:
اضطرابات النوم: نتيجة غياب الظلام، يعاني كثير من الأشخاص من مشاكل في النوم، حيث لا يستجيب الجسم بشكل طبيعي لتغيّر اليوم.
تغير الساعة البيولوجية: وجود ضوء الشمس المستمر يؤثر على إفراز هرمون "الميلاتونين" المسؤول عن تنظيم النوم.
الاضطراب العاطفي الموسمي: رغم أن هذا الاضطراب شائع في الشتاء، إلا أن الضوء المستمر قد يسبب حالات من القلق أو التوتر.
تعتمد المناطق التي تعيش تحت ظاهرة شمس منتصف الليل على بعض الإجراءات للتعامل معها، مثل:
استخدام ستائر معتمة في النوافذ لحجب الضوء.
ارتداء أقنعة النوم.
الحفاظ على روتين يومي ثابت في الأكل والنوم.
تقليل استخدام الشاشات في الليل لتقليل تعرض العين للضوء الصناعي.
في مصر، لا تُرصد ظاهرة شمس منتصف الليل بطبيعة الحال بسبب موقعها الجغرافي القريب من خط الاستواء. ومع ذلك، يشهد هذا اليوم أطول فترة نهارية خلال العام، حيث تصل ساعات النهار في القاهرة مثلًا إلى أكثر من 14 ساعة، في حين ينخفض عدد ساعات الليل إلى أقل من 10 ساعات.
عادة ما ترتفع درجات الحرارة تدريجيًا بالتزامن مع الانقلاب الصيفي، ويبدأ فصل الصيف رسميًا، مما يدفع المواطنين لبدء خططهم السنوية لقضاء العطلات الصيفية، والسفر إلى المناطق الساحلية للاستجمام.
يعتمد المزارعون منذ آلاف السنين على التغيرات الموسمية المرتبطة بالانقلابات الصيفية والشتوية لتحديد مواعيد الزراعة والحصاد. فالانقلاب الصيفي يُعد إيذانًا ببدء فترة نمو النباتات في المناطق الباردة، ويُعتبر مؤشرًا مهمًا في التقويم الزراعي.
الانقلاب الصيفي ليس حدثًا بصريًا فحسب، بل يعد نقطة تحول فلكية رئيسية في حركة الكواكب والنجوم. فبداية الصيف تعني تغيرًا تدريجيًا في مواقع الكواكب الظاهرة في السماء، وزيادة فرص رصد بعض الكواكب والأجرام السماوية خلال الليل القصير.
نعم، تتكرر الظاهرة سنويًا خلال الانقلاب الصيفي في نصف الكرة الشمالي والانقلاب الشتوي في النصف الجنوبي، وتبقى واحدة من أبرز العلامات الكونية التي تعكس توازن الأرض في دورانها حول الشمس.
ظاهرة شمس منتصف الليل ليست مجرد ظاهرة بصرية، بل تجسيد فعلي لكيفية عمل نظامنا الكوني في تناسق مدهش بين الضوء والظلام. وبينما نعيش أيامًا حارة وطويلة في مصر خلال الانقلاب الصيفي، هناك في أقصى الشمال، لا يعرف الناس معنى الليل لفترة طويلة.
تمنحنا هذه الظواهر فرصة للتأمل في روعة الكون، وتدفعنا لفهم أعمق لارتباط الإنسان بالطبيعة، ومدى تأثير دوران الأرض وحركتها المستمرة على حياتنا اليومية.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt
