القهوة ليست مجرد مشروب صباحي معتاد لدى الملايين حول العالم، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من روتين الحياة اليومية للكثيرين، لما تمنحه من طاقة ونشاط وتركيز. وقد ارتبطت القهوة بفوائد صحية عديدة على مر السنوات، ولكن مع هذا الانتشار الكبير لشرب القهوة، بدأت التساؤلات الطبية تزداد حول تأثيرها المباشر على أجهزة الجسم، خاصة في ظل تزايد أعداد المصابين بمرض السكري أو من يعانون من اختلال في مستوى سكر الدم.
يُعد سكر الدم أحد المؤشرات الحيوية الأكثر حساسية لأي تغيير غذائي، ولذلك، فإن تأثير القهوة عليه يشكل نقطة نقاش مهمة. فهل يمكن لشرب القهوة يوميًا أن يرفع مستوى السكر في الدم؟ أم أنه يساهم في تحسين حساسية الجسم للأنسولين؟ ومتى يكون شرب القهوة خطرًا على من يعانون من اضطرابات السكر؟
الإجابة على هذه التساؤلات ليست بسيطة، إذ تختلف استجابة الأجسام من شخص لآخر تبعًا للعوامل الوراثية، والنظام الغذائي، ونمط الحياة، والحالة الصحية العامة. في هذا المقال، نستعرض العلاقة بين القهوة وسكر الدم، ونحلل الفروق بين القهوة العادية والمضاف إليها السكر أو الحليب، ونقدّم إرشادات هامة لمن يعانون من السكري أو من هم عرضة للإصابة به.
عند تناول القهوة، تدخل مكونات عديدة إلى الجسم، أبرزها الكافيين. والكافيين هو المادة الفعالة التي تؤثر على الجهاز العصبي، وتزيد من التركيز والنشاط. لكن تأثيره لا يتوقف عند هذا الحد، بل يمتد ليشمل التمثيل الغذائي للجلوكوز.
تشير دراسات مختلفة إلى أن الكافيين يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع مؤقت في سكر الدم، وذلك عن طريق تحفيز إفراز بعض الهرمونات مثل الأدرينالين، الذي بدوره يقلل من حساسية الأنسولين. وهذا يعني أن الجسم قد لا يتمكن من استخدام الأنسولين بشكل فعّال بعد تناول القهوة، ما يؤدي إلى ارتفاع مؤقت في مستوى الجلوكوز في الدم، خاصة لدى مرضى السكري من النوع الثاني.
ليس بالضرورة. فالقهوة السوداء الخالية من السكر أو المضافات لا تحتوي على سعرات حرارية تقريبًا، وقد لا تسبب ارتفاعًا مباشرًا في سكر الدم عند معظم الأشخاص الأصحاء. بل على العكس، في بعض الدراسات، لوحظ أن تناول القهوة بانتظام يرتبط بتحسين حساسية الجسم للأنسولين على المدى الطويل، مما قد يُقلل من خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني.
ولكن عند النظر للأثر الفوري، قد تسبب القهوة لدى البعض ارتفاعًا طفيفًا في سكر الدم، وهذا يرتبط بمستوى استجابة الجسم للكافيين.
نوع القهوة: القهوة المفلترة، القهوة التركية، الإسبريسو، والقهوة سريعة التحضير تختلف في محتوى الكافيين.
الإضافات: السكر، الحليب، الكريمة، أو نكهات القهوة يمكن أن ترفع نسبة السكر بشكل ملحوظ.
كمية القهوة: كلما زادت كمية الكافيين، زاد احتمال تأثيره على التمثيل الغذائي للسكر.
توقيت شرب القهوة: شرب القهوة قبل أو بعد الأكل قد يؤدي إلى نتائج مختلفة في مستوى الجلوكوز.
الحالة الصحية للفرد: المصابون بمقاومة الإنسولين أو السكري قد يتأثرون أكثر من الأصحاء.
مرضى السكري، خاصة من النوع الثاني، يجب أن يكونوا أكثر حذرًا في تناول القهوة. فعلى الرغم من أن بعض الدراسات تشير إلى أن القهوة قد تساهم في تقليل خطر الإصابة بالسكري على المدى الطويل، إلا أن الكافيين الموجود فيها قد يرفع سكر الدم بعد تناولها مباشرة، بسبب تقليل حساسية الجسم للأنسولين.
في حالات كثيرة، يُلاحظ لدى مرضى السكري ارتفاع سكر الدم بعد شرب فنجان من القهوة، خصوصًا إذا كانت محلاة أو مضافًا إليها كريمة. لذلك يُنصح بمراقبة تأثير القهوة على الجسم باستخدام جهاز قياس السكر، لتحديد ما إذا كانت تسبب تغيرات ملحوظة في المعدلات اليومية.
نعم، القهوة منزوعة الكافيين تحتوي على كمية قليلة جدًا من الكافيين، وبالتالي لا تؤدي إلى نفس التأثير على الأنسولين أو سكر الدم. لذا فإنها تُعتبر خيارًا أفضل لمن يعانون من مشاكل في تنظيم سكر الدم، أو لأولئك الذين يريدون الاستفادة من فوائد مضادات الأكسدة الموجودة في القهوة دون التأثيرات المنشطة للكافيين.
رغم القلق من تأثير القهوة على سكر الدم، إلا أن القهوة تحتوي على العديد من المركبات المفيدة مثل البوليفينولات، وهي مواد مضادة للأكسدة تساهم في تقليل الالتهابات وتحسين التمثيل الغذائي. ومن بين الفوائد المحتملة:
تحسين حساسية الأنسولين على المدى البعيد.
تقليل خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني.
تعزيز التركيز والطاقة، مما يساعد على تحسين النشاط البدني.
ولكن هذه الفوائد لا تلغي ضرورة الحذر، ويجب تحقيق التوازن.
تناول القهوة السوداء دون سكر أو مبيض.
تجنب تناول القهوة قبل قياس السكر في الدم مباشرة.
مراقبة تأثير القهوة على سكر الدم عبر التحاليل المنزلية.
اختيار القهوة منزوعة الكافيين إذا لوحظ ارتفاع سكر الدم بعد شرب القهوة العادية.
الحرص على تناول القهوة بعد الطعام وليس على معدة فارغة.
ليس من الضروري أن يتوقف الشخص تمامًا عن تناول القهوة، ولكن المهم هو المتابعة والوعي. إذا لاحظ الفرد أن شرب القهوة يؤدي إلى اضطراب في مستويات سكر الدم، يمكن تقليل الكمية أو تعديل نوع القهوة إلى تلك المنزوعة الكافيين. وفي كل الأحوال، يجب الرجوع للطبيب المختص للحصول على خطة غذائية مناسبة وشخصية.
تؤثر القهوة على سكر الدم بطرق مختلفة، تتراوح بين التأثير المؤقت السلبي على حساسية الأنسولين، والفوائد طويلة المدى في الوقاية من مرض السكري. ولذلك، فإن شرب القهوة يجب أن يتم بعناية خاصة لدى من يعانون من اضطرابات في مستويات السكر، سواء كانوا مصابين بالسكري أو معرضين له.
المفتاح الأساسي هو الاعتدال، والمتابعة المستمرة. فالقهوة ليست عدوًا مطلقًا، ولكنها أيضًا ليست آمنة تمامًا للجميع، بل يتحدد تأثيرها وفقًا لكل حالة صحية على حدة. وعليه، فإن فهم تأثير القهوة على الجسم، ومراقبة سكر الدم بعد تناولها، والالتزام بالإرشادات الصحية هو الطريق الأمثل للاستفادة من هذا المشروب دون تعريض الصحة للخطر.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt