يشهد سوق الصرف في مصر حالة من الحراك اللافت خلال الأيام الأخيرة، حيث سجل سعر الدولار الأمريكي تراجعًا جديدًا أمام الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 3 يونيو 2025، مواصلًا اتجاهه الهبوطي لليوم الرابع على التوالي. هذا التراجع أثار اهتمام المتابعين للشأن الاقتصادي، وخاصةً في ظل موجة من التقلبات التي شابت الأسواق العالمية، وتغيّر ملامح السياسة النقدية في عدد من الدول الكبرى.
وقد انعكس هذا التراجع مباشرة على تعاملات البنوك وشركات الصرافة، كما أثّر على أسعار عدد من السلع المستوردة التي تعتمد على العملة الأمريكية في تسعيرها، وهو ما يجعل حركة الدولار اليومية محل متابعة دائمة من المستثمرين والمواطنين على حد سواء.
جاءت أسعار الدولار الأمريكي اليوم في عدد من البنوك المصرية على النحو التالي:
البنك الأهلي المصري: 49.90 جنيه للشراء – 50.00 جنيه للبيع
بنك مصر: 49.85 جنيه للشراء – 49.95 جنيه للبيع
البنك التجاري الدولي (CIB): 49.80 جنيه للشراء – 49.95 جنيه للبيع
بنك الإسكندرية: 49.83 جنيه للشراء – 49.98 جنيه للبيع
بنك القاهرة: 49.88 جنيه للشراء – 50.00 جنيه للبيع
ويُلاحظ أن متوسط سعر الدولار سجل نحو 49.88 جنيهًا للشراء، و50.00 جنيهًا للبيع، بانخفاض طفيف عن أسعار يوم أمس، والتي سجل فيها متوسط السعر 50.10 جنيهًا.
يرجع التراجع الجديد في سعر صرف الدولار إلى عدة عوامل محلية ودولية، يمكن تلخيصها فيما يلي:
تحسن موارد النقد الأجنبي في مصر بعد ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج وعوائد السياحة وقناة السويس خلال الربع الثاني من العام.
زيادة المعروض من الدولار في البنوك والصرافات عقب التسهيلات الجديدة التي وفرتها الحكومة للمستثمرين والمصدرين.
اتفاقيات دولية جديدة عززت من رصيد الاحتياطي الأجنبي بالبنك المركزي المصري، وخاصةً من خلال برامج التمويل والاستثمار مع الدول الخليجية.
الاستقرار النسبي في الأسواق العالمية ما خفف من الضغط على العملات المحلية في بعض الدول النامية ومن بينها مصر.
تراجع الطلب على الدولار في السوق السوداء نتيجة الرقابة المشددة والإجراءات الأمنية الجديدة.
رغم الجهود الحكومية لتقليص الفارق بين السعر الرسمي والموازي، لا تزال السوق السوداء تعمل ولكن بوتيرة أضعف من السابق. وقد تراوح سعر الدولار اليوم في السوق غير الرسمية ما بين 50.40 إلى 50.70 جنيهًا، بتراجع يتجاوز 30 قرشًا عن نهاية الأسبوع الماضي.
ويشير خبراء إلى أن استمرار البنك المركزي في سياسة ضخ العملة الأجنبية وتوسيع أدوات الرقابة قد يحد تدريجيًا من الفجوة السعرية بين السوقين، ويعيد الاستقرار الكامل لمنظومة تداول النقد الأجنبي.
انخفاض سعر الدولار ينعكس غالبًا على أسعار بعض السلع المستوردة، خاصةً الإلكترونية، وقطع الغيار، وبعض أنواع السيارات والمنتجات الغذائية. ومع ذلك، فإن هذا الأثر لا يكون مباشرًا أو فوريًا، بل يظهر تدريجيًا خلال أسبوعين إلى شهر من التراجع، نتيجة العقود السابقة التي أُبرمت بأسعار أعلى.
وقد بدأت بالفعل بعض الشركات في الإعلان عن تخفيضات طفيفة على منتجاتها، في حين تنتظر أخرى استقرار السعر لفترة أطول قبل اتخاذ خطوات مماثلة.
يرى المستثمرون أن تراجع الدولار في مصر يمثل فرصة لشراء أصول جديدة بسعر صرف أفضل، خاصةً في مجالات الاستيراد والتصنيع القائم على الخامات المستوردة. كما أبدى مستثمرون أجانب اهتمامًا متزايدًا بالعودة إلى السوق المصرية، مدفوعين بالاستقرار النسبي في سعر الصرف وتحسّن مؤشرات الاقتصاد الكلي.
من ناحية أخرى، يخشى بعض المتعاملين في البورصة من أن يستمر التذبذب في سعر الدولار لفترة مقبلة، ما قد يؤثر على قرارات التداول وخاصة في قطاعات البتروكيماويات والمصدرين الذين يعتمدون على الدولار في تحقيق أرباحهم.
أكد مصدر بالبنك المركزي المصري أن تراجع الدولار خلال الأيام الماضية لا يُعد مؤقتًا، بل هو نتيجة لتحسن حقيقي في مؤشرات الاقتصاد المحلي، وازدياد موارد الدولة من العملة الأجنبية. وأضاف: "نراقب السوق بدقة، ونضمن استقرار الأسعار من خلال أدواتنا المالية والنقدية."
كما أشار المصدر إلى أن الدولة لن تتردد في التدخل إذا حدثت أي محاولات للمضاربة أو التلاعب بالسوق، مؤكدًا أن المرحلة المقبلة ستشهد مرونة أكبر في حركة الدولار، ولكن في نطاق مستقر وتدريجي.
بحسب توقعات عدد من بنوك الاستثمار والمؤسسات المالية، فإن سعر الدولار مرشح لمزيد من التراجع خلال شهر يونيو إذا استمرت التدفقات الدولارية إلى السوق المصري، خاصةً مع اقتراب موسم السياحة الصيفية وبدء تنفيذ بعض الاتفاقيات الاستثمارية الجديدة.
ويُتوقع أن ينخفض متوسط السعر إلى 49.50 جنيهًا إذا استمرت السيولة الدولارية بنفس الوتيرة، مع إمكانية العودة إلى مستوى 49.00 جنيهًا في حال توافر تدفقات كبيرة خلال الفترة المقبلة.
يلعب البنك المركزي دورًا محوريًا في الحفاظ على استقرار سوق الصرف، من خلال:
ضخ العملة الأجنبية عند الحاجة لتقليل التذبذب.
تنظيم مزادات الدولار للبنوك المحلية.
فرض ضوابط على التحويلات الكبيرة.
إصدار تعليمات دورية لشركات الصرافة.
التنسيق مع الجهات الأمنية لمتابعة السوق الموازية.
وقد ساهمت هذه السياسات في تهدئة السوق خلال الأسابيع الماضية، وتثبيت ثقة المتعاملين في المنظومة الرسمية لتداول العملات الأجنبية.
في ظل استمرار وجود السوق غير الرسمية، تُهيب الحكومة بالمواطنين بعدم اللجوء إلى التعامل خارج القنوات الرسمية، حيث تحمل السوق الموازية مخاطر كبيرة منها:
الحصول على عملات مزيفة.
أسعار غير عادلة.
انعدام الضمان القانوني.
احتمالية التعرض للنصب والاحتيال.
وتعمل الجهات الرقابية على تكثيف حملات التفتيش لضبط أي ممارسات غير قانونية أو عمليات مضاربة تضر بالاقتصاد الوطني.
سجل سعر الدولار اليوم في مصر تراجعًا جديدًا، ما يبعث برسالة إيجابية بشأن الاستقرار النقدي وتحسّن الاقتصاد المحلي. ومع تزايد ثقة الأسواق في أداء الحكومة والبنك المركزي، يبدو أن الجنيه المصري قد بدأ يستعيد جزءًا من قوته أمام العملات الأجنبية.
ولكن يبقى التحدي الأكبر في الحفاظ على هذا الاتجاه الإيجابي، وضمان استدامة الموارد الدولارية، وتشجيع الاستثمار، وتخفيض الفجوة بين السوق الرسمية وغير الرسمية. وبين التفاؤل الحذر والتحديات القائمة، يستمر الاقتصاد المصري في كتابة فصول جديدة من التعافي، يترقّبها الجميع باهتمام بالغ.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt