أثارت تصريحات الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، بشأن قضايا المواريث حالة من الجدل الواسع داخل الأوساط الدينية والمجتمعية.
بعدما طرح آراء اعتبرها البعض "صادمة" وخارجة عن الثوابت الشرعية، مما دفع الدكتورة سعاد صالح، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر.
إلى الرد بقوة، واصفة ما قاله الهلالي بأنه "عبث فكري يهدد العقول" ويُثير البلبلة بين الناس في قضايا محسومة بنصوص قطعية من القرآن الكريم.
وجاءت تصريحات سعاد صالح في مداخلة تليفزيونية بعد موجة الغضب التي تبعت حديث الهلالي حول إمكانية "إعادة النظر" في تقسيم الميراث وفقًا لاجتهادات بشرية تراعي العصر.
وهو ما اعتبرته سعاد صالح خروجًا صريحًا عن الأحكام الشرعية التي لا تحتمل الاجتهاد أو التغيير.
كان الدكتور سعد الدين الهلالي قد صرح بأن:
"المواريث ليست ثابتة بشكل مطلق"، بل يمكن للفقهاء في العصر الحديث أن يُعيدوا النظر في بعض تفاصيلها بما يتناسب مع تغير الظروف المجتمعية.
أشار إلى أن هناك اجتهادات فقهية سابقة تناولت بعض مسائل الميراث بشكل مختلف.
دعا إلى فتح باب النقاش حول المساواة بين الذكر والأنثى في بعض حالات الميراث.
هذه التصريحات فجرت موجة من الانتقادات، خاصة من علماء الأزهر الذين اعتبروا أن الهلالي تجاوز حدود الاجتهاد المشروع.
في ردها الحاسم، قالت الدكتورة سعاد صالح:
"أحكام المواريث واردة في كتاب الله بنصوص قطعية الدلالة والثبوت، ولا يجوز لأي شخص مهما كان أن يُخضعها للاجتهاد أو التغيير."
"ما يُصرح به الدكتور الهلالي يُعد عبثًا فكريًا خطيرًا، ويُهدد استقرار المفاهيم الدينية لدى العامة."
"المواريث جزء من الشريعة الإسلامية التي لا تتغير بتغير الزمان أو المكان."
"الحديث عن المساواة المطلقة في الميراث يُخالف النصوص الصريحة، مثل قوله تعالى: 'يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ'."
لم تكن الدكتورة سعاد صالح وحدها في موقفها، بل أيدها عدد كبير من علماء الأزهر، حيث أكدوا أن:
أحكام المواريث تُعد من القطعيات التي لا مجال للاجتهاد فيها.
الاجتهاد يكون في المسائل الظنية فقط، أما القطعية فلا يمكن المساس بها.
فتح هذا الباب يُعد تشكيكًا في ثوابت الدين ويُربك المجتمع.
مثل هذه التصريحات تُعطي ذريعة لغير المسلمين للطعن في الشريعة الإسلامية.
في سياق متصل، أصدرت دار الإفتاء المصرية بيانًا أكدت فيه أن:
أحكام الميراث منصوص عليها بنصوص قرآنية واضحة لا تقبل الاجتهاد أو التعديل.
المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث ليس لها أصل شرعي إلا في حالات محددة نصت عليها الشريعة.
أي حديث عن تعديل أحكام الميراث يُعد خروجًا عن الفقه الإسلامي الصحيح.
نعم، أوضحت سعاد صالح وعدد من العلماء أن:
الشريعة الإسلامية أعطت المرأة نصف الرجل في حالات معينة فقط.
هناك أكثر من 30 حالة ترث فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه أو ترث ولا يرث الرجل.
توزيع الميراث قائم على العدل الإلهي وليس المساواة المطلقة، مع مراعاة المسؤوليات المالية التي تقع على عاتق الرجل.
أثارت هذه القضية تفاعلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين:
من يُؤيدون سعاد صالح ويتمسكون بالثوابت الشرعية.
وبين من يرون أن حديث الهلالي يُعبر عن ضرورة تطوير بعض الأحكام لتتناسب مع تطور المجتمعات، رغم مخالفة هذا الرأي للأحكام القطعية.
لكن الغالبية العظمى أجمعت على ضرورة احترام النصوص القرآنية وعدم فتح باب الجدل في مسائل محسومة.
جاءت أحكام المواريث واضحة في سورة النساء، ومنها:
"يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ..." [النساء: 11].
وهذه النصوص تُحدد بدقة أنصبة الورثة، ولا تترك مجالًا للاجتهاد البشري في أصل الحكم.
أكدت سعاد صالح أن:
الاجتهاد جائز فقط في آليات توزيع الميراث أو تنظيم الإجراءات بما يتناسب مع العصر.
أما الأنصبة الشرعية فلا تقبل التغيير لأنها من "الفرائض" التي حددها الله عز وجل.
الدعوة لإعادة النظر في أصل الأحكام يُعد تجاوزًا غير مقبول.
دعا عدد من العلماء والمفكرين إلى:
وقف الجدل الدائر حول هذه التصريحات حفاظًا على استقرار المفاهيم الدينية.
التأكيد على دور المؤسسات الدينية الرسمية مثل الأزهر ودار الإفتاء في توضيح الحقائق.
تحذير الشخصيات العامة من إطلاق تصريحات تمس الثوابت الشرعية دون دراسة أو وعي.
في النهاية، تبقى قضية المواريث واحدة من الثوابت الشرعية التي لا تحتمل العبث أو الاجتهاد الخاطئ، كما أكدت الدكتورة سعاد صالح في ردها القوي على تصريحات سعد الدين الهلالي.
ورغم محاولات البعض لإثارة الجدل تحت شعار "مواكبة العصر"، إلا أن الأحكام الإلهية الواضحة لا تتغير بتغير الزمان أو المكان، خاصة في مسائل حددها القرآن الكريم بدقة.
ويبقى دور العلماء هو توعية المجتمع بالحكمة من هذه التشريعات الإلهية التي تقوم على العدل وليس المساواة المطلقة، مع ضرورة غلق هذا الباب من الجدل الذي لا يُثمر إلا عن بلبلة فكرية تُهدد استقرار العقول والعقيدة في آنٍ واحد.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt