تعد التوابل من المكونات الأساسية في مطابخنا اليومية، ليس فقط لإضافة النكهة والرائحة للطعام، بل لاحتوائها على العديد من الفوائد الصحية التي يجهلها كثيرون. وفي هذا السياق، كشفت دراسات حديثة عن فاعلية نوع معين من التوابل الشائعة في مواجهة أحد أخطر أنواع السرطانات، وهو سرطان الأمعاء.
التوابل ليست فقط للنكهة
لفترة طويلة، اعتبرت التوابل مجرد عنصر مكمل في الطعام، لكن العلماء بدأوا في إعادة تقييم هذه المواد الطبيعية لما تحمله من خصائص علاجية ومضادة للالتهاب ومضادة للأكسدة. إحدى هذه التوابل التي لفتت أنظار الباحثين هي "الكركم"، وتحديدًا المادة الفعالة فيه والتي تُعرف باسم "الكركمين".
الكركم هو مسحوق أصفر اللون يُستخرج من جذر نبات الكركم، ويُستخدم منذ آلاف السنين في الطب الهندي والصيني. ويعود الفضل في فوائده الصحية إلى مركب الكركمين، الذي يتمتع بخصائص قوية كمضاد للالتهابات ومضاد للأكسدة.
في السنوات الأخيرة، أصبح الكركم محل اهتمام كبير من قبل الباحثين في مجال السرطان، حيث تشير العديد من الدراسات إلى قدرته على الحد من نمو بعض الخلايا السرطانية، بما في ذلك تلك المرتبطة بسرطان الأمعاء.
سرطان الأمعاء، والذي يُعرف أحيانًا بسرطان القولون والمستقيم، يُعد من أكثر أنواع السرطان شيوعًا وخطورة حول العالم. وتكمن خطورته في أن أعراضه قد لا تكون واضحة في المراحل المبكرة، مما يؤدي إلى اكتشافه في وقت متأخر عندما يكون العلاج أكثر تعقيدًا.
تشمل أبرز أعراضه:
تغيّرات في حركة الأمعاء (إسهال أو إمساك)
نزيف من المستقيم
آلام في البطن مستمرة
فقدان الوزن غير المبرر
الشعور الدائم بالإرهاق
أظهرت أبحاث عديدة أن الكركمين يمكن أن يساهم في مكافحة سرطان الأمعاء بعدة آليات بيولوجية، منها:
الالتهاب المزمن يُعد أحد المحفزات الرئيسية لتطور السرطان في القولون والأمعاء. الكركمين يتمتع بقدرة قوية على تثبيط المواد الكيميائية الالتهابية في الجسم، وبالتالي يحد من البيئة المناسبة لنمو الخلايا السرطانية.
واحدة من أبرز خصائص الكركمين أنه يستطيع تحفيز ما يُعرف بـ"الانتحار الخلوي" أو الموت المبرمج للخلايا السرطانية، مما يعيق انتشار الورم.
أثبتت تجارب مخبرية أن الكركمين يعيق انقسام الخلايا السرطانية وانتقالها إلى الأنسجة الأخرى، وهو أمر بالغ الأهمية في الحد من تفشي السرطان في الجسم.
تشير بعض الدراسات إلى أن استخدام الكركمين كمكمل غذائي قد يزيد من فعالية بعض أدوية العلاج الكيميائي، مع تقليل آثارها الجانبية.
رغم أهمية الكركم كعنصر مساعد في الوقاية أو الدعم العلاجي، إلا أنه لا يُعد علاجًا بديلًا عن الأدوية أو الجراحة أو العلاج الكيميائي. بل هو مكمل غذائي طبيعي يمكن أن يُدرج ضمن نظام غذائي صحي متوازن، خصوصًا لمن لديهم عوامل خطر للإصابة بسرطان الأمعاء.
الاستهلاك المعتدل للكركم من خلال الطعام اليومي آمن لمعظم الأشخاص. لكن في حال الرغبة بتناوله كمكمل غذائي، يُنصح دائمًا بالرجوع إلى الطبيب لتحديد الجرعة المناسبة، خاصة في الحالات الصحية الحساسة مثل:
مشاكل المرارة
أمراض الكبد
الحمل والرضاعة
التفاعل مع أدوية السيولة
لتحقيق أقصى استفادة من الكركم، يمكن اتباع النصائح التالية:
إضافته للأطعمة مثل الأرز، الشوربة، أو الصلصات
خلطه مع الفلفل الأسود، حيث يعزز مادة "البيبرين" الموجودة في الفلفل امتصاص الكركمين في الجسم بنسبة تصل إلى 2000%
تحضيره كمشروب دافئ مع الزنجبيل والعسل
استخدامه كمكمل غذائي بعد استشارة الطبيب
هناك فئات معينة قد تستفيد بشكل أكبر من إدخال الكركم في نظامها الغذائي، منها:
الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي لسرطان الأمعاء
مرضى القولون التقرحي أو التهابات الأمعاء المزمنة
كبار السن الذين يعانون من اضطرابات الجهاز الهضمي
الأفراد المعرضون للإصابة بأمراض مزمنة مرتبطة بالالتهاب
الكركم ليس وحده الذي يُظهر فوائد طبية، فهناك توابل أخرى أثبتت فعاليتها مثل:
الزنجبيل في تهدئة المعدة ومحاربة الالتهاب
القرفة في تنظيم السكر بالدم
الكمون في تحسين الهضم وتقليل الانتفاخ
الفلفل الأسود في دعم الامتصاص الغذائي
إدخال هذه التوابل ضمن نمط غذائي صحي قد يُسهم في الوقاية من أمراض عديدة، ليس فقط السرطان، بل أمراض القلب والسكر والمناعة.
مع أن الكركم وتوابل أخرى تحمل فوائد كبيرة، إلا أن تأثيرها لا يظهر بوضوح إلا ضمن أسلوب حياة صحي يشمل:
تناول كميات كافية من الخضروات والفواكه يوميًا
ممارسة الرياضة المنتظمة
الابتعاد عن الأطعمة المصنعة والمقليات
تقليل التوتر والضغوط النفسية
إجراء الفحوصات الدورية خاصة بعد سن الأربعين
يبقى الكركم واحدًا من الكنوز الطبيعية المهملة التي بدأت تأخذ مكانتها في الأبحاث الطبية. فوائده في مواجهة سرطان الأمعاء ما تزال قيد الدراسة والتطور، لكنها مبشرة بما يكفي لتشجيعنا على إدخاله بوعي في نظامنا الغذائي.
وإذا كنا نسعى لحماية أنفسنا وأحبائنا من أخطر الأمراض، فإن الاهتمام بالتغذية والوقاية يظل الخيار الأذكى والأكثر أمانًا. الكركم ليس معجزة، لكنه خطوة مهمة على طريق الوعي الصحي المتكامل.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt