يعاني بعض الأشخاص من أعراض غريبة عند الوقوف المفاجئ، مثل الدوخة، خفقان القلب، وربما حتى الإغماء. هذه الأعراض قد تبدو عابرة أو غير خطيرة، لكنها في بعض الحالات تكون جزءًا من حالة طبية تُعرف باسم متلازمة تسرع القلب الانتصابي الوضعي أو POTS، وهي اختصار لـ (Postural Orthostatic Tachycardia Syndrome).
في هذه المقالة، نستعرض بالتفصيل ماهية هذه المتلازمة، أسبابها، أعراضها، طرق تشخيصها، وأفضل الوسائل لعلاجها أو التعايش معها.
تُعرف متلازمة POTS بأنها حالة تؤدي إلى ارتفاع معدل ضربات القلب بشكل غير طبيعي عند الانتقال من وضع الجلوس أو الاستلقاء إلى وضع الوقوف، دون أن يُصاحبها انخفاض واضح في ضغط الدم، كما هو الحال في الإغماء أو الهبوط المعروفين.
الفرق الأساسي بين POTS وهبوط الضغط الانتصابي هو أن الأولى مرتبطة بزيادة معدل ضربات القلب، وقد تصل هذه الزيادة إلى أكثر من 30 نبضة في الدقيقة خلال أول 10 دقائق من الوقوف، وهو أمر يُسبب اضطرابًا في التوازن الطبيعي للجهاز العصبي اللاإرادي.
تشير الإحصائيات الطبية إلى أن متلازمة POTS تصيب فئة معينة من الأشخاص بنسبة أكبر، أبرزهم:
النساء، خاصة في سن المراهقة والشباب (من 15 إلى 50 عامًا).
المصابون بعدوى فيروسية قوية سابقة.
الأشخاص الذين مرّوا بفترات طويلة من الراحة في الفراش أو الخمول البدني.
من يعانون من أمراض مناعية ذاتية أو اضطرابات في النسيج الضام.
تتنوع أعراض متلازمة تسرع القلب الانتصابي الوضعي بشكل كبير بين المصابين، لكن أبرزها تشمل:
زيادة ملحوظة في ضربات القلب عند الوقوف (أكثر من 30 نبضة إضافية في الدقيقة).
دوخة أو شعور بالدوار خاصة عند الوقوف المفاجئ.
إرهاق شديد حتى بعد مجهود بسيط.
غثيان أو شعور بعدم الارتياح في المعدة.
رعشة أو تعرّق مفرط.
ضبابية في التركيز أو ما يُعرف بـ "ضباب الدماغ".
في بعض الحالات: إغماء أو شعور قوي باقتراب الإغماء.
تختلف حدة الأعراض من شخص لآخر، وقد تتأثر بعوامل مثل الإجهاد، الحرارة، الصيام، أو فترة الحيض لدى النساء.
حتى الآن، لا يوجد سبب واحد معروف لهذه المتلازمة، لكن هناك عدة عوامل يُعتقد أنها تلعب دورًا في حدوثها، من بينها:
خلل في الجهاز العصبي اللاإرادي، الذي ينظم ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.
نقص في حجم الدم أو صعوبة في إعادة ضخه من الأطراف إلى القلب.
زيادة في مستويات هرمونات التوتر مثل النورأدرينالين عند الوقوف.
عدوى فيروسية سابقة قد تؤثر على الجهاز العصبي.
أمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة أو متلازمة شوغرن.
يبدأ التشخيص عادة بالفحص السريري ومتابعة الأعراض، ويلي ذلك اختبارات متخصصة منها:
يُطلب من المريض الانتقال من وضع الاستلقاء إلى الوقوف، ويتم قياس ضربات القلب وضغط الدم خلال 10 دقائق. إذا زادت ضربات القلب بأكثر من 30 نبضة في الدقيقة، دون هبوط في الضغط، فهذه علامة على POTS.
يقوم المريض بالاستلقاء على طاولة تُميل تدريجيًا، ويتم مراقبة استجابته الحيوية. يُستخدم هذا الاختبار لتأكيد التشخيص بدقة.
متلازمة POTS قد تكون مرهقة بشكل يومي، خاصة مع تكرار الشعور بالدوخة أو الإغماء، ما يؤثر على:
القدرة على العمل أو الدراسة بشكل منتظم.
مستوى التركيز والانتباه.
الأنشطة الاجتماعية والخروج من المنزل.
ممارسة الرياضة أو حتى الوقوف لفترات طويلة.
لكن مع التشخيص الصحيح والعلاج المناسب، يمكن السيطرة على الأعراض بدرجة كبيرة وتحسين جودة الحياة.
لا يوجد علاج نهائي حتى الآن للمتلازمة، لكن توجد بروتوكولات متعددة لتقليل الأعراض والسيطرة عليها، تشمل:
شرب كميات كافية من الماء (3 لترات يوميًا على الأقل).
زيادة تناول الأملاح (بعد استشارة الطبيب).
ارتداء الجوارب الضاغطة لتحسين تدفق الدم من الساقين.
الوقوف التدريجي ببطء وعدم الانتقال المفاجئ من الاستلقاء إلى الوقوف.
تجنب الوقوف الثابت لفترات طويلة، مع تحريك القدمين باستمرار.
أدوية مثل البيتا بلوكرز (لتقليل ضربات القلب).
ميدودرين لتحسين ضغط الدم.
فلودروكورتيزون للمساعدة في الاحتفاظ بالسوائل والملح.
في بعض الحالات، قد تُستخدم مضادات الاكتئاب بجرعات منخفضة لتنظيم الجهاز العصبي.
ابدأ يومك بشرب كوب ماء مملح.
مارس التمارين الرياضية الخفيفة مثل ركوب الدراجة أو السباحة.
قسم وجباتك إلى كميات صغيرة على مدار اليوم.
استرح كلما شعرت بالدوخة أو التعب.
سجّل أعراضك وتوقيتها لتساعد الطبيب في المتابعة الدقيقة.
متلازمة تسرع القلب الانتصابي الوضعي ليست حالة مهددة للحياة، لكنها قد تؤثر بشكل كبير على الراحة اليومية وجودة الحياة. الوعي بها والتشخيص المبكر هو المفتاح الرئيسي للتحكم في الأعراض والعيش بشكل طبيعي.
إذا كنت تعاني من خفقان مستمر، دوخة متكررة، أو إرهاق لا يُحتمل عند الوقوف، لا تتردد في زيارة طبيب مختص في أمراض القلب أو الأعصاب، فقد يكون الأمر متعلقًا بـ POTS، والحل موجود بالمتابعة والالتزام بالخطة العلاجية المناسبة.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt