في أول أيام شهر مايو 2025، فوجئ المتعاملون في سوق البناء بتحركات جديدة في أسعار الحديد والأسمنت داخل السوق المحلي المصري، لتُعيد هذه التحركات الجدل بشأن مستقبل قطاع التشييد والعقارات، في ظل استمرار التغيرات الاقتصادية على المستويين المحلي والعالمي.
ويعد قطاع مواد البناء من أكثر القطاعات حساسية لأي تغيرات في الأسعار، حيث ترتبط حركة الشراء والتوريد بمدى استقرار السوق، والقدرة الشرائية للمستهلكين والمطورين العقاريين، وهو ما يجعل من تتبع أسعار الحديد والأسمنت أولوية يومية لمختلف الفئات.
شهدت أسعار الحديد تحركات غير تقليدية اليوم، ما بين ارتفاع طفيف في بعض المناطق، واستقرار نسبي في أخرى، وسط توقعات بمزيد من التقلبات خلال الأيام القادمة.
ويُرجح أن يكون هذا التذبذب ناتجًا عن تغيرات في تكلفة الإنتاج، لا سيما مع استمرار ارتفاع أسعار الطاقة والوقود، إلى جانب تحركات أسعار الخامات المعدنية عالميًا، والتي تؤثر بدورها على التكلفة النهائية للطن داخل المصانع المحلية.
في بعض المحافظات، لوحظ وجود فروق واضحة في أسعار الطن الواحد من الحديد، وهو ما يُعزى إلى اختلاف تكلفة النقل، وأجور العمالة، ودرجة الإقبال على الشراء في كل منطقة.
المناطق القريبة من مراكز الإنتاج كانت أكثر استقرارًا، بينما ارتفعت الأسعار نسبيًا في المناطق البعيدة، خاصة المدن الساحلية أو الحدودية، التي تتطلب تكلفة شحن أكبر.
تعاني العديد من شركات المقاولات من اضطراب في جدولة المشروعات، بسبب التغيرات المتكررة في أسعار الحديد، والتي تؤثر على العقود الموقعة مسبقًا، وتؤدي إلى صعوبة الالتزام بالميزانيات المحددة.
وقد أوقفت بعض الشركات طرح مناقصات جديدة، لحين استقرار أسعار السوق، تجنبًا لأي خسائر محتملة قد تترتب على تغيّر الأسعار بعد توقيع التعاقدات.
على جانب آخر، سجلت أسعار الأسمنت زيادات محدودة لكنها مستمرة خلال الأيام الماضية، واستمرت في نفس الاتجاه التصاعدي اليوم، ما أعطى إشارة للمستهلكين بأن السوق يتجه نحو فترة من الارتفاعات التدريجية.
وتؤثر هذه الزيادات بشكل مباشر على تكلفة البناء للمواطنين، خصوصًا من يبنون بجهود ذاتية، أو من يمتلكون أراضي صغيرة يرغبون في تطويرها.
من اللافت في السوق المصري أن أسعار الأسمنت تختلف بشكل كبير حسب النوع، فهناك الأسمنت البورتلاندي العادي، والمقاوم للكبريتات، وأنواع أخرى مخصصة لمشروعات البنية التحتية الثقيلة، وكل منها له تسعير خاص به يعتمد على مكوناته واستخداماته.
الأسمنت الموجه للمشروعات السكنية الصغيرة هو الأكثر استهلاكًا، بينما تتجه الشركات الكبرى إلى الأنواع المتخصصة التي توفر عمرًا إنشائيًا أطول.
توجد مجموعة من الأسباب مجتمعة تفسر الزيادة المفاجئة أو التدريجية في أسعار مواد البناء اليوم، أبرزها:
تعتمد صناعة الحديد والأسمنت في مصر على استيراد نسب من المواد الخام أو مكونات الإنتاج، مثل الفحم أو خام الحديد، وبالتالي فإن أي تحرك في أسعار الشحن أو أسعار هذه المواد يؤثر مباشرة على السعر النهائي.
تعتمد مصانع الحديد والأسمنت على الطاقة بشكل أساسي في الإنتاج، وأي ارتفاع في أسعار الكهرباء أو الوقود يؤدي إلى زيادة التكلفة الإجمالية.
يُعد فصل الربيع ومطلع الصيف موسمًا نشطًا في قطاع البناء، ما يدفع الأسعار إلى الارتفاع مع تزايد الطلب من المواطنين والمشروعات الخاصة والحكومية.
تواجه بعض الشركات صعوبات في الاستيراد بسبب تشديد الإجراءات، أو تغيرات في سعر صرف العملة المحلية، ما يؤدي إلى تقليل المعروض من المواد الجاهزة وزيادة السعر.
لا شك أن أي ارتفاع في أسعار الحديد والأسمنت ينعكس بشكل مباشر على تكلفة البناء، وبالتالي على أسعار الوحدات السكنية في السوق، سواء المعروضة للبيع أو الإيجار.
المطورون العقاريون يواجهون تحديًا في ضبط أسعار وحداتهم للحفاظ على قدرتهم التنافسية، بينما يشعر المواطنون بالقلق من ارتفاع أسعار الشقق أو تأجيل الاستلام.
في ظل هذه التحركات، بات بعض الأفراد يترددون في البدء بمشروعات بناء صغيرة أو تشطيبات مؤجلة، انتظارًا لانخفاض محتمل، فيما قرر آخرون الشراء فورًا خوفًا من زيادات لاحقة.
وفي القرى والمناطق الريفية، تأثر عدد من الحرفيين الذين يعتمدون على أعمال البناء اليومية، بسبب ضعف حركة السوق، وتراجع الطلب المؤقت.
رغم الزيادة الحالية، يرى البعض أن السوق قد يشهد حالة من التهدئة المؤقتة إذا ما استقرت أسعار الوقود والمواد الخام، بينما يتوقع آخرون أن تستمر الزيادات التدريجية طالما لم يُعاد ضبط تكلفة الإنتاج.
ويتوقف الكثير على أداء الاقتصاد المحلي، ومستوى المشروعات القومية التي تُعَد أحد المحركات الأساسية للطلب على مواد البناء.
ينصح الخبراء المواطنين الراغبين في البناء أو التشطيب بما يلي:
مقارنة الأسعار بين التجار وعدم الاعتماد على مصدر واحد
شراء الكميات بشكل جزئي وليس دفعة واحدة
الانتظار في حالة عدم وجود ضرورة ملحة
متابعة الاتجاه العام للأسعار قبل اتخاذ أي قرار
التفكير في بدائل للتقليل من التكلفة مثل التصميم الاقتصادي أو تقليل المساحات
المقاولون وأصحاب الورش الصغيرة أصبحوا أكثر تضررًا من ارتفاع الأسعار، حيث لا يتمتعون بمرونة الشركات الكبرى في تأجيل المشروعات أو امتصاص الزيادة ضمن الميزانية العامة.
وقد يضطر بعضهم إلى رفع أسعار الخدمات أو تقليل العمالة أو حتى تعليق النشاط مؤقتًا لحين تحسن السوق.
وبينما ينتظر المواطن والمستثمر انفراجة في الأسعار، تبقى مرونة القرار والتخطيط الذكي هما الأداة الأهم لمواجهة موجات الزيادة الحالية.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt