شهدت سوق الإيجارات في مصر خلال الأسابيع الماضية حالة من التراجع الملحوظ، خاصة في عدد من المناطق الشعبية التي كانت تشهد ارتفاعًا حادًا في الأسعار خلال العام الماضي.
وجاء هذا التراجع في أعقاب مغادرة نسبة كبيرة من الأشقاء السودانيين الذين كانوا قد لجأوا إلى مصر بسبب الأوضاع السياسية المتوترة في بلادهم.
مغادرة آلاف السودانيين من بعض المناطق السكنية أدى إلى انخفاض الطلب على الوحدات المؤجرة، وهو ما انعكس بشكل مباشر على حركة العرض والطلب.
وتسبب في انخفاض الأسعار بنسبة وصلت في بعض المناطق إلى 40% وهو ما اعتبره كثيرون انفراجة مؤقتة في أزمة ارتفاع تكاليف السكن التي تثقل كاهل المواطنين.
ترجع هذه الموجة المفاجئة من انخفاض الإيجارات إلى عدة أسباب متداخلة، في مقدمتها:
مغادرة نسبة كبيرة من السودانيين المقيمين في مصر بعد هدوء نسبي في الأوضاع داخل السودان، أو لانتقالهم إلى بلدان أوروبية.
انخفاض الضغط على المناطق السكنية التي كانت تشهد إقبالًا كثيفًا على الإيجار مثل فيصل، الهرم، السلام، النزهة، وبعض مناطق أكتوبر.
زيادة العرض مقابل انخفاض واضح في الطلب بعد خروج آلاف الوحدات من دائرة الاستئجار.
رغبة الملاك في تفادي الفراغ فاضطر عدد منهم إلى خفض السعر لجذب مستأجرين جدد حتى لو كان بعائد أقل.
هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تغير في خريطة الأسعار، وعودة بعض المناطق إلى معدلاتها الطبيعية التي كانت سائدة قبل موجة الارتفاعات المرتبطة بتوافد أعداد ضخمة من غير المصريين.
رصدت مكاتب وساطة عقارية تراجعًا ملحوظًا في الأسعار في عدد من المناطق الرئيسية، حيث كانت هذه المناطق هي الأكثر استقطابًا للجاليات السودانية، وبالتالي الأكثر تأثرًا بعد مغادرتهم:
فيصل والهرم: كانت من أكثر المناطق التي شهدت زيادة في الإيجارات العام الماضي، حيث ارتفع سعر الوحدة من 2500 جنيه إلى 6000 جنيه، لكنه انخفض الآن إلى ما بين 3000 و3500 جنيه.
السلام والنزهة: عاد سعر إيجار الشقة المتوسطة من 5000 جنيه إلى 3200 جنيه شهريًا في بعض الشوارع الجانبية.
الطالبية وشارع العشرين: سجلت انخفاضات تتراوح بين 25% و35%.
حدائق الأهرام وأكتوبر: حيث تأثرت بعض الكمبوندات ومناطق الشقق المفروشة بسبب تراجع الطلب.
هذا الانخفاض أدى إلى توفر عدد أكبر من الوحدات المطروحة للإيجار، خاصة في العمارات القديمة أو الشقق التي لم تكن متاحة للمصريين بسبب التنافس على السعر خلال الفترة الماضية.
بينما أعرب عدد من الملاك عن قلقهم من استمرار انخفاض الأسعار، خاصة ممن تعودوا على تحقيق دخل ثابت من الإيجار المرتفع، رأى البعض الآخر أن ما يحدث الآن هو "تصحيح واقعي" للأسعار المبالغ فيها التي سيطرت على السوق خلال العامين الماضيين.
في المقابل، عبّر عدد كبير من المستأجرين المصريين عن ارتياحهم، مؤكدين أن هذه الانخفاضات ساعدتهم في العثور على وحدات جيدة بسعر مناسب دون الدخول في دوامة مساومات أو شروط تعجيزية من الملاك، كما كان يحدث في السابق.
بحسب تقييم ميداني لعدد من المناطق، يتضح أن:
مدة بقاء الشقة معروضة للإيجار أصبحت أطول، وهو ما دفع أصحاب الوحدات إلى تخفيض الإيجار.
بعض الملاك بدأوا يقدمون تسهيلات إضافية مثل إعفاء شهر مجاني أو خفض التأمين.
الطلب تراجع على الشقق المفروشة بشكل خاص، والتي كانت تُفضل من قبل الوافدين المؤقتين.
شركات الوساطة العقارية بدأت تعاني من قلة الحركة، ما أجبرها على تخفيض عمولاتها أيضًا.
وبذلك، تحوّل السوق من "سوق بائع" إلى "سوق مشتري"، حيث يملك المستأجر الآن قوة تفاوض أكبر مما كان عليه الوضع في السابق.
يتوقع محللون في قطاع العقارات أن يستمر التراجع الحالي لفترة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر، ما لم تحدث تغييرات كبيرة في التركيبة السكانية أو ترتفع معدلات التضخم بشكل مفاجئ.
كما أن أسعار البيع (التمليك) لم تتأثر بهذا التغير، نظرًا لثبات تكاليف البناء والخامات وارتفاع أسعار الأراضي، وهو ما يجعل الاستثمار في التمليك لا يزال مستقرًا رغم انخفاض الإيجارات.
من الملاحظ أن الوحدات التي كانت تُؤجر بنظام الإيجار المفروش هي الأكثر تضررًا، حيث كانت الجالية السودانية تفضل هذا النوع من السكن. أما الإيجارات القديمة أو التمليك فقد بقيت مستقرة إلى حد ما، خاصة في الأحياء الشعبية غير المستهدفة من قبل الوافدين.
أيضًا فإن الإيجارات طويلة المدة سجلت استقرارًا أكبر، بينما تأثر الإيجار الشهري القصير والموسمي بشدة، بسبب مغادرة المستأجرين المؤقتين.
في ظل هذا التغير، ينصح الخبراء كل من يبحث عن شقة للإيجار باتباع الآتي:
المقارنة بين أكثر من منطقة وعدم التسرع في الحجز.
التفاوض بجرأة مع الملاك بناءً على الأسعار الحالية.
الاهتمام بتفاصيل العقد والتأكد من البنود الخاصة بالصيانة أو الزيادات السنوية.
تفضيل الإيجار طويل الأمد لأنه يمنح استقرارًا أكثر، ويقلل من احتمالات رفع السعر لاحقًا.
برغم أن هذا التراجع حدث بفعل عوامل غير مباشرة، إلا أن الكثير من الأصوات تنادي بضرورة تدخل الحكومة لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، خصوصًا في ظل عدم وجود سقف تسعيري أو ضوابط ملزمة للسوق الحر.
وقد طالب البعض بتفعيل آليات إلكترونية لرصد الأسعار، ووضع حد أقصى للزيادات السنوية، إضافة إلى إطلاق بوابة موحدة للعقارات السكنية، تسهّل على المواطنين البحث وتقديم الشكاوى.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt