تُعد القهوة المشروب الأكثر انتشارًا في العالم بعد الماء، وترافق ملايين الناس في بداية يومهم بوصفها مصدرًا للطاقة واليقظة. ومع تراكم الأبحاث العلمية، بات من المسلم به أن القهوة غنية بمضادات الأكسدة وبعض المركبات المفيدة لصحة القلب والدماغ. إلا أنّ طريقة تحضيرها قد تقلب الموازين تمامًا؛ فبعض الأساليب الشائعة في تحميص البن أو تخميره قد تنتج مركبات مسرطنة تُقوّض الفوائد المنتظرة من هذا المشروب.
عندما تتعرض حبوب البن لدرجات حرارة مرتفعة جدًّا أثناء التحميص العميق، يتكوّن مركب يُدعى «الأكريلاميد». هذا المركب الكيميائي يتشكّل في الأغذية النشوية كذلك عند الطهو الجائر بالحرارة العالية، وقد ثَبُت في دراسات مخبرية أنه يسبب طفرات في الحمض النووي لخلايا حيوانية، ما يجعله أحد المشتبه بهم في رفع احتمالية الإصابة بالسرطان لدى البشر. ويزداد تركيز الأكريلاميد في البن الداكن المحمَّص أكثر من اللازم، والذي يلجأ إليه البعض لزيادة النكهة المُرّة والرائحة القوية الظاهرة في القهوة التركية أو الإسبريسو الثقيل.
طريقة تحضير القهوة باستخدام «المكبس الفرنسي» أو غلي البن مع الماء دون ترشيح عبر ورق (كما هو الحال في القهوة التركية) تؤدي إلى بقاء جزء كبير من الزيوت الطبيعية في الشراب النهائي. هذه الزيوت، مثل «الديتربين» و«الكافستول»، تسهم في رفع مستوى الكوليسترول الضار في الدم ممّا قد يزيد من مخاطر الأمراض القلبية. لكن الأخطر أن بعض هذه الزيوت تتفاعل مع حرارة التحميص لتنتج مركبات «بوليهيدروكربونية عطرية» وهي المجموعة الكيميائية نفسها التي تظهر عند احتراق الفحم والسجائر، وقد صُنّفت طفراتٍ مسرطنة محتملة عند البشر. وبالتالي، يصبح شرب القهوة غير المرشحة بصورة مفرطة مصدرًا مزدوجًا للمخاطر: زيادة الدهون الضارة وتراكب المواد المسرطنة في آن واحد.
انتشار آلات القهوة المنزلية المعتمدة على الكبسولات البلاستيكية وفّر سهولة تحضير الشراب خلال دقائق، لكنه خلق جدلًا جديدًا حول سلامة تلك الكبسولات عند تعرضها للماء المغلي المضغوط. تشير تحاليل كيميائية إلى إمكان تسرب جزيئات دقيقة من اللدائن الداخلة في صناعة الكبسولات، فضلًا عن مركبات مثل «البيسفينول أ» و«الفثالات»، إلى محتوى الكوب. هذه المواد تُصنّف كعوامل مُزعزِعة لعمل الهرمونات وقد تحمل خطرًا تراكميًا يؤدي إلى تغيُّرات خلوية ترفع من احتمال نشوء الأورام، خصوصًا مع الاستهلاك اليومي الطويل المدى.
يلجأ الكثيرون إلى القهوة الفورية بحثًا عن السرعة، لكن هذه المنتجات تخضع لعمليات تحميص وتجفيف مضاعفة لرفع قابلية الذوبان، ما يزيد من تكوّن الأكريلاميد مقارنة بالبن الطازج. علاوة على ذلك، غالبًا ما تُضاف إليها منكهات صناعية وسكريات مكررة تزيد من العبء الأيضي على الكبد، فيُصبح كوب القهوة الفورية وجبةً مركزة للسكر والمركبات الكيميائية المقلقة التي تُفاقم أخطارها المحتملة على المدى البعيد.
بعض المحامص التقليدية تستخدم اللهب المباشر أو الفحم لتحميص حبوب البن في أوعية مكشوفة، ما يعرّض الحبوب للدخان الأسود والرماد المحتوي على الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات. هذه الجزيئات أثبتت علاقتها بسرطان البنكرياس والرئة في دراسات طويلة الأمد على عمّال صناعات الفحم والحديد. ومع كثرة استهلاك القهوة المحمصة بتقنية اللهب المكشوف، تزداد فرص ترسب بقايا الرماد في أنسجة الجسم، خصوصًا إذا غاب الترشيح.
اختيار تحميص متوسط: شراء البن ذي اللون البني المتوسط لا الداكن يساعد في خفض مستويات الأكريلاميد.
استخدام ورق الترشيح: اعتماد القهوة المقطرة أو ماكينات التنقيط الورقية يقلل من انتقال الزيوت الضارة إلى الفنجان.
الاعتماد على كبسولات خالية من البلاستيك: توجد الآن بدائل مصنوعة من الألومنيوم القابل لإعادة التدوير أو مواد نباتية.
التخزين الجيد: حفظ البن المطحون في أوعية محكمة بعيدًا عن الضوء والرطوبة يمنع الأكسدة التي تخلق مركبات ضارة إضافية.
الاعتدال في الاستهلاك: شرب كوبين إلى ثلاثة أكواب يوميًا يُعد حدًا آمِنًا لمعظم البالغين مع مراعاة عدم الإفراط.
درجة حرارة الماء المثالية تتراوح بين 90 و95 درجة مئوية؛ فالماء المغلي بشدة يسرع من تحلل المركبات الحمضية لتكوين مواد غير مرغوبة. كما أن استخدام ماء مُفلتر يقلل من الكلور والمعادن الثقيلة التي قد تتفاعل مع حمض الكلوروجينيك في القهوة مكوّنة مركبات جانبية.
رغم التحذيرات السابقة، لا يجب تجاهل حقيقة أن القهوة مصدر غني بمضادات الأكسدة مثل البوليفينولات، وتظهر أبحاث كثيرة أنها قد تقلل من مخاطر داء السكري وبعض أنواع السرطان عند استهلاكها باعتدال. لكن تلك الفوائد مرتبطة بتحضيرها بطريقة صحية والتقليل من السكر والإضافات الصناعية.
يؤكد اختصاصيو التغذية أنّ اتخاذ الخطوات الوقائية المذكورة يُبقي كأس القهوة في المنطقة الآمنة، حيث يتمتع الشخص بمزايا التنبيه الذهني وتحسين المزاج دون التعرض لمستويات عالية من المواد المسرطنة المحتملة. كما ينصحون الحوامل والمرضى بأمراض القلب بتقليل الحصة اليومية إلى كوب واحد خفيف الكافيين، والابتعاد تمامًا عن الأنواع المجهولة المصدر أو القهوة المطحونة والمعروضة مكشوفة في الأسواق.
القهوة مشروب لذيذ ذو قيمة صحية مثبتة عند استخدام طرق تحميص وتحضير سليمة، إلا أن الغليان المفرط، والتحميص الداكن، وعدم الترشيح، والكبسولات البلاستيكية، والقهوة الفورية تُضاعف إنتاج مركبات قد ترتبط بزيادة خطر السرطان على المدى البعيد. لذا، يبقى المفتاح في المعرفة والاعتدال: اختر بنًا متوسط التحميص، استعمل ورق ترشيح، تجنب البلاستيك قدر الإمكان، ولا تفرط في عدد الأكواب اليومية. بهذه الضوابط يمكن للقهوة أن تبقى صديقًا للصحة لا مصدر تهديد خفي.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt