بين عشيةٍ وضحاها تحوَّل اسم البلوجر المعروفة بـ«نور تفاحة» إلى العنوان الأبرز على صفحات الأخبار ومنصّات السوشيال ميديا، بعدما أعلنت أجهزة الأمن القبض عليها فجر اليوم في شقّتها بمنطقة القاهرة الجديدة. الواقعة أثارت موجة من التساؤلات والتكهنات بين متابعيها الذين يتجاوز عددهم أربعة ملايين على «إنستجرام» و«تيك توك»، خصوصًا مع تداول شائعات عن تورّطها في قضايا مالية.
اشتهرت نور تفاحة في بداية 2023 عبر محتوى خاص بالموضة ومستحضرات التجميل، مستفيدةً من أسلوب تحدُّث عفوي ولهجة شعبية جذبت إليها جمهورًا عريضًا من الفتيات. وبلغت ذروة شهرتها حين أطلقت حملة لمستحضرات تحمل علامتها التجارية مطلع هذا العام، مُحقِّقة مبيعات قياسية خلال أسابيع قليلة. لكنّ صعودها السريع لم يَخلُ من انتقادات، إذ اتُّهمت أكثر من مرة بتقديم نصائح علاجيّة دون ترخيص ومخالفة قواعد الدعاية الصحية.
مصدر أمني رفيع صرّح، عقب توقيف البلوجر مباشرةً، بأن التحرك تمّ بناءً على بلاغات رسمية من عددٍ من المواطنين يتّهمون نور بالاحتيال عبر متجرها الإلكتروني؛ حيث دفعوا مبالغ لشراء منتجات تجميلية مزيّفة أو لم تصلهم من الأساس. وأوضح المصدر أن الشكاوى تضمنت إيصالات تحويل إلكترونية ورسائل تثبت تلقّي الحسابات المملوكة لها قيمة المشتريات دون تسليمها.
المفاجأة التي كشفتها التحقيقات الأولية تمثّلت في وجود شبكة كاملة تعمل مع نور لترويج مستحضرات تجميل مقلّدة بعبوات تحمل شعار علامتها. وبحسب التحريات، جرى تصنيع المنتجات في مخزن غير مرخَّص بمحافظة القليوبية، ثم تُنقل إلى مخازن صغيرة داخل القاهرة لتُشحن إلى المشترين تحت غطاء «علامة أصلية». القيمة التقديرية للمبيعات خلال الأشهر الستة الماضية قد تتجاوز عشرين مليون جنيه، وفق تقديرات مبدئية للأمن الاقتصادي.
عند مداهمة شقة البلوجر، عثر فريق البحث على كميات كبيرة من العبوات التجميلية الفارغة، وأختام لطباعة تاريخ الصلاحية، فضلًا عن دفاتر إيصالات وشهادات منشأ مزوَّرة. كما تم التحفظ على مبالغ مالية بالعملة المحلية والأجنبية قُدّرت بمليون ونصف المليون جنيه، إلى جانب ثلاثة هواتف محمولة تحتوي على رسائل تحويلات بين أفراد الشبكة.
خلال التحقيق المبدئي، أنكرت نور تهمة النصب، مؤكدةً أنها تخضع لإدارة شركة تسويق إلكتروني وكلّفتها رسميًا بالإشراف على المتجر. وزعمت البلوجر أن دورها اقتصر على الترويج للمنتجات عبر حساباتها، وأنها لم تكن على علم بتزوير الشهادات أو المواد المستخدمة. كما أدلت بأن نسبة أرباحها كانت تُحوَّل لها على هيئة عقود معلَنة، وأنها ساهمت بجزء كبير منها في تأسيس «مستوصف خيري» بقرية والدتها في المنوفية.
متابعو نور تفاحة انقسموا إلى فريقين؛ فريق يعتبرها ضحية لمصالح تجارية أكبر، وفريق آخر يرى في ما حدث دليلا على استغلالها ثقة الجمهور لجمع أموال طائلة بطرق غير شرعية. واكتظ «إنستجرام» بتعليقات تتراوح بين: «ادّونا فلوسنا» و«مستحيل تكون نصابة»، بينما تصدّر وسم #نور_تفاحة قائمة الأكثر تداولًا على «تويتر» لساعات.
بحسب خبراء قانونيين، تُعَدُّ تهمة النصب الإلكتروني جناية عقوبتها قد تصل إلى السجن المشدد، وفق المادة 336 من قانون العقوبات، إضافة إلى مواد قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات التي تُغلّظ العقوبة حال استغلال الشهرة والتأثير العام لتحقيق مكاسب غير مشروعة. وينتظر أن تواجه نور اتهامات بحيازة سلع مقلدة، وهو ما يندرج أيضًا تحت جرائم حماية الملكية الفكرية.
الحادثة أعادت فتح ملف تجارة «الإنفلوينسر» في مصر، وضرورة توعية الجمهور بعدة إجراءات احترازية:
التأكد من تسجيل العلامة التجارية في وزارة التموين.
البحث عن رقم ترخيص هيئة الدواء المصرية للمنتجات الصحية.
الشراء من منصات موثوقة تتبع سياسة استرداد الأموال.
عدم تحويل مبالغ إلى حسابات شخصية أو «فودافون كاش» دون فواتير رسمية.
هذه الخطوات البسيطة قد تجنّب المستهلك الوقوع ضحية للاحتيال الإلكتروني المتزايد.
بينما تستمر النيابة في تحقيقاتها، تُعَدّ قضية البلوجر نور تفاحة إنذارًا لكل من يستهين بتأثير مواقع التواصل في تشكيل الرأي العام وتوجيه المستهلك، ودعوة للمشرّع والرقابة لتشديد الإجراءات على تجارة «التأثير» غير المنضبطة. فشهرة الإنترنت قد تصبح سلاحًا ذا حدين: أداة للنجاح أو طريقًا سريعًا إلى قفص الاتهام إذا امتزجت بالاحتيال. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تكون نهاية نور تفاحة درسًا رادعًا لغيرها من صانعي المحتوى الطامعين في الربح السهل؟ الأيام القادمة ستكشف الإجابة.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt