في خطوة وُصفت بأنها تاريخية ومنتظرة منذ سنوات، أعلنت الحكومة المصرية ملامح مشروع قانون جديد للإيجار القديم، يهدف إلى إعادة التوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين.
وإنهاء العقود الممتدة التي تُقيّد حركة السوق العقاري منذ عقود. وجاء القرار بمثابة مفاجأة لأصحاب العقارات.
خاصة أن القانون يتضمن إجراءات حاسمة وتعديلات جوهرية تشمل العقود السكنية والتجارية على حد سواء.
ويأتي هذا المشروع تماشيًا مع حكم المحكمة الدستورية العليا، الذي ألزم البرلمان بتنظيم العلاقة الإيجارية القديمة بشكل يتوافق مع الدستور ويحقق العدالة الاجتماعية.
من أبرز ما تضمنه المشروع الجديد:
إنهاء عقود الإيجار السكني القديمة بعد مرور ثلاث سنوات من تاريخ بدء سريان القانون.
إنهاء عقود الإيجار غير السكني (التجاري والإداري) بعد سنة واحدة فقط من سريان القانون.
يشمل القانون العقود المبرمة قبل 1 فبراير 1996، سواء للوحدات المؤجرة للأغراض السكنية أو غير السكنية.
وبهذا تنتهي حالة الجمود التي كانت تسيطر على سوق الإيجارات لعقود طويلة، خاصة في المناطق الحيوية داخل المدن الكبرى، حيث توجد وحدات بقيم إيجارية لا تتعدى 10 أو 20 جنيهًا شهريًا، رغم أنها تُقدر بمئات الآلاف من الجنيهات في السوق الفعلي.
حرصًا على البعد الاجتماعي وعدم الإضرار المباشر بالمستأجرين، نص القانون على زيادات تدريجية في القيمة الإيجارية للوحدات، على النحو التالي:
العام الأول: 80% من القيمة السوقية للضريبة العقارية.
العام الثاني: 90%.
العام الثالث: 100% من الضريبة العقارية المُقدّرة.
تُحدد القيمة الإيجارية بمقدار 5 أضعاف القيمة القانونية الحالية في السنة الأولى، وتخضع بعد ذلك لزيادة سنوية بنسبة 15% لمدة ثلاث سنوات.
ويُعد هذا التدرج في تطبيق الزيادة وسيلة لتحقيق التوازن دون إحداث صدمة في سوق الإيجارات أو التسبب في نزوح جماعي من العقارات المؤجرة.
ينص مشروع القانون على أنه بعد انقضاء المدة المحددة في العقد المعدل، يُلزم المستأجر بإخلاء الوحدة المؤجرة فورًا دون إنذار أو حكم قضائي. وفي حال الامتناع، يحق للمالك التوجه إلى المحكمة المختصة بطلب طرد المستأجر، مع إمكانية فرض غرامة تأخير عن كل يوم امتناع بعد انقضاء المدة.
هذا النص يمنح المالك ضمانة قانونية لاستعادة وحدته، بعد أن ظل عاجزًا عن التصرف فيها لعشرات السنين، ما يُعيد جزءًا كبيرًا من الحقوق العقارية لأصحابها.
راعت الحكومة البعد الاجتماعي والإنساني في صياغة القانون، حيث تم التنصيص على إنشاء صندوق دعم المستأجرين غير القادرين، يُموَّل من الموازنة العامة والجهات المعنية، ويهدف إلى:
تقديم مساعدات مالية للأسر المستأجرة غير القادرة على دفع الزيادة.
توفير وحدات بديلة مدعومة للفئات الأولى بالرعاية.
تغطية تكاليف الإيجار في الحالات الإنسانية والصحية الصعبة.
ويشترط للاستفادة من هذا الدعم ألا يتجاوز الدخل الشهري للأسرة 6 آلاف جنيه، مع تقديم المستندات الدالة على الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
يهدف القانون الجديد للإيجارات القديمة إلى تحقيق عدة أهداف جوهرية:
إعادة التوازن في العلاقة التعاقدية بين المالك والمستأجر، بما يضمن العدالة لكلا الطرفين.
تحفيز حركة سوق العقارات، من خلال إعادة تدوير الشقق المغلقة والمجمدة، وإتاحتها للعرض أو البيع أو التأجير بسعر مناسب.
زيادة موارد الدولة من خلال إخضاع الوحدات المعاد استخدامها للضريبة العقارية والتقييم الرسمي.
حماية الأحياء التاريخية التي تعرضت للتهالك والإهمال بسبب غياب الحافز على الصيانة والترميم.
أكدت لجنة الإسكان بمجلس النواب أنها ستبدأ خلال الأيام القادمة عقد جلسات حوار مجتمعي موسعة، تشمل:
ممثلين عن اتحاد الملاك.
ممثلين عن المستأجرين.
منظمات المجتمع المدني.
خبراء القانون والاقتصاد.
قيادات المحافظات والجهات التنفيذية.
وتهدف هذه الجلسات إلى صياغة القانون النهائي بشكل يُرضي أغلب الأطراف، ويُراعي التوازن دون الانحياز لفئة على حساب أخرى.
أثار الإعلان عن ملامح مشروع القانون ردود فعل واسعة في الشارع المصري، حيث رحب به عدد كبير من الملاك الذين رأوا أنه جاء لينصفهم بعد سنوات طويلة من التجميد العقاري، بينما أبدى بعض المستأجرين تخوفهم من الزيادة في القيمة الإيجارية أو فقدان السكن الذي يقطنونه منذ عقود.
ومع ذلك، يؤكد الكثير من الخبراء أن القانون يحمل رؤية متزنة، خاصة في ظل وجود فترة انتقالية ودعم حكومي للمستأجرين غير القادرين، وهو ما يجعله خطوة إصلاحية مدروسة وليست صادمة.
من المتوقع أن يتم عرض مشروع القانون الجديد على الجلسة العامة لمجلس النواب خلال الأشهر القليلة المقبلة، على أن يتم التصويت النهائي عليه قبل نهاية دور الانعقاد الحالي، وفي حال تمريره، سيتم نشره في الجريدة الرسمية.
وبعد النشر، يُمنح المواطنون فترة لا تقل عن 6 أشهر كمهلة للاستعداد للتعديلات، مع بدء التطبيق الرسمي وفقًا للجدول الزمني المذكور في نص القانون.
تُعد هذه التعديلات لحظة فارقة في تاريخ التنظيم العقاري بمصر، إذ تُعيد ضبط العلاقة القانونية بين المواطن والمجتمع والدولة، وتُمهّد الطريق نحو سوق عقاري أكثر عدالة واستقرارًا، دون الإخلال بالبعد الاجتماعي أو الإضرار بحقوق أي من الطرفين.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt