في واقعة جديدة تضاف إلى سلسلة من القضايا المرتبطة بمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على البلوجر المعروفة باسم "رورو البلد".
بعد اتهامها بنشر مقاطع فيديو اعتُبرت مخلة بالآداب وتحرض على الفسق.
ما دفع النائب العام إلى إصدار قرار رسمي بضبطها وإحضارها تمهيدًا للتحقيق معها في النيابة العامة.الحادثة أثارت ردود فعل واسعة على منصات التواصل.
وتصدر اسم رورو البلد مؤشرات البحث خلال ساعات قليلة من الإعلان عن توقيفها بين مؤيد للقرار ومطالب بتشديد الرقابة، وبين منتقد يرى أن الأمر يمثل تضييقًا على الحريات الرقمية.
رورو البلد، واسمها الحقيقي وفقًا للتحقيقات "رؤى الغيطاني"، هي فتاة مصرية في بداية العشرينات من عمرها، صعدت إلى الشهرة عبر تطبيق "تيك توك" خلال العامين الأخيرين. اشتهرت بمقاطع فيديو قصيرة تستعرض فيها أسلوبها في الرقص أو التحدث بطريقة وُصفت بأنها مثيرة ومستفزة، ما جذب إليها ملايين المتابعين.
بلغ عدد متابعيها على تيك توك أكثر من 2.5 مليون متابع، كما أن لها حضورًا واسعًا على منصات أخرى مثل إنستغرام وفيسبوك ويوتيوب، حيث استثمرت شهرتها في تحقيق عائدات مالية من الإعلانات والهدايا الرقمية.
بدأت القصة بعد أن تقدم أحد المحامين ببلاغ رسمي إلى النائب العام يتهم فيه رورو البلد بنشر محتوى يخالف القيم الأخلاقية، ويتضمن إيحاءات جنسية صريحة، معتبراً أن المقاطع التي تبثها تحرض على الفسق، وتشكل خطرًا على النشء والمجتمع.
البلاغ أشار أيضًا إلى أن رورو البلد تستغل شهرتها على السوشيال ميديا في الترويج لما سماه "الفجور الرقمي"، وأن ما تقدمه لا يندرج تحت مسمى حرية التعبير أو الفنون، بل هو محتوى خادش للحياء يخالف الأعراف والقوانين المعمول بها.
بناءً على البلاغ، أصدرت النيابة العامة أمرًا بالقبض على البلوجر، وتولى قطاع الأمن العام بالتنسيق مع مديرية أمن الجيزة تنفيذ القرار. وبعد تحريات موسعة، تم ضبط رورو البلد داخل أحد الشقق بمنطقة 6 أكتوبر، حيث كانت تقيم بشكل غير دائم، في محاولة – كما تردد – للابتعاد عن الأنظار منذ بداية تصاعد الأزمة.
وخلال عملية الضبط، تم التحفظ على ثلاثة هواتف محمولة وأجهزة إلكترونية تحتوي على عدد كبير من المقاطع المصورة التي يُشتبه في كونها محل القضية، إضافة إلى تسجيلات بث مباشر قامت بها مؤخرًا وتضمنت عبارات تم تصنيفها على أنها تحمل طابعًا إباحيًا صريحًا.
تم ترحيل رورو البلد إلى النيابة العامة، حيث بدأت التحقيقات معها بتهمة نشر محتوى منافٍ للآداب العامة، والتحريض على الفسق، واستغلال مواقع التواصل الاجتماعي في تحقيق مكاسب مادية من خلال محتوى غير لائق.
ووفقًا لمصادر مطلعة، أنكرت البلوجر التهم الموجهة إليها، مؤكدة أن المحتوى الذي تقدمه لا يتضمن أي تجاوز قانوني، وأنها تعتمد أسلوب "الترفيه الاجتماعي" الشائع على الإنترنت، مشيرة إلى أنها لم تتعمد إثارة الفسق، ولم تقصد التحريض على أي سلوك مخل.
القانون المصري صارم فيما يتعلق بنشر المواد المنافية للآداب العامة. ويعاقب قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 كل من ينشر محتوى خادشًا أو يحرض على الفسق أو يروج لأفكار غير أخلاقية، بعقوبات قد تصل إلى الحبس ثلاث سنوات وغرامات مالية كبيرة.
كما تنص المادة 25 من القانون ذاته على تجريم كل من ينشئ أو يدير أو يستخدم موقعًا أو حسابًا إلكترونيًا بغرض ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة تمس القيم الأسرية أو الآداب العامة.
ردود الفعل على الواقعة جاءت متباينة. هناك قطاع واسع من المتابعين أيّد التحرك الأمني ضد رورو البلد، معتبرًا أن هذه النوعية من المحتوى تشكّل خطرًا على الثقافة العامة، وتشجع على سلوكيات غريبة عن المجتمع المصري.
على الجانب الآخر، يرى البعض أن ما حدث يدخل في إطار الرقابة المشددة على المحتوى الرقمي، معتبرين أن هذه الحملات قد تؤدي إلى تكميم حرية التعبير، خاصة مع غياب معايير واضحة تحدد ما هو "غير لائق" أو "خادش"، في ظل اختلاف الأذواق والتوجهات.
أثارت الواقعة أيضًا مطالبات من جهات برلمانية ومجتمعية بضرورة تقنين نشاط البلوجرز واليوتيوبرز، من خلال إصدار تراخيص إلزامية لمزاولة هذا النوع من النشاط، إلى جانب فرض رقابة على المحتوى قبل نشره، وذلك للحد من الانفلات الرقمي، على حد وصف بعض النواب.
كما دعا بعض المتخصصين في الإعلام الرقمي إلى تأسيس "ميثاق شرف إلكتروني" تُلزم به منصات السوشيال ميديا المصرية، يضمن التوازن بين حرية المحتوى وعدم الإساءة إلى القيم المجتمعية.
لا شك أن واقعة القبض على رورو البلد سيكون لها تأثير كبير على مستقبلها الرقمي، إذ أنه في حال ثبوت الاتهامات، قد يصدر بحقها حكم قضائي يشمل الحبس والغرامة، مع مطالبة الجهات المختصة بحجب حساباتها على منصات التواصل.
حتى في حال إخلاء سبيلها لاحقًا، فإن سمعتها قد تضررت بشدة، وستواجه صعوبة في العودة إلى نفس القاعدة الجماهيرية التي بنتها خلال السنوات الماضية. كما قد تتخلى عنها بعض الشركات والعلامات التجارية التي تعاونت معها في حملات ترويجية.
الواقعة أعادت فتح ملف "المحتوى الهابط" على الإنترنت، وسط تساؤلات حول مدى قدرة المجتمع والأسرة على التوجيه والمراقبة، خصوصًا في ظل الانتشار السريع للتطبيقات الحديثة مثل تيك توك وسناب شات، والتي تتيح للجميع بث محتواهم دون رقابة فورية.
ويرى بعض علماء الاجتماع أن الحل لا يكمن فقط في العقاب، بل في التوعية والتمكين الثقافي، وتوفير منصات بديلة تتيح للمبدعين تقديم محتوى راقٍ ومقبول جماهيريًا دون السقوط في فخ الإثارة أو العري أو الإسفاف.
حتى الآن، لم يُعلن عن قرار نهائي من النيابة بشأن مصير رورو البلد، لكن من المتوقع أن تُعرض على جلسة تحقيق أخرى، بعد انتهاء الفحص الفني للأجهزة المصادرة. وفي حال ثبوت المخالفات، ستحال القضية إلى المحكمة الاقتصادية، المختصة بالنظر في جرائم تقنية المعلومات.
وفي كل الأحوال، تظل القضية مثالًا حيًا على التحديات التي تواجهها المجتمعات العربية في التعامل مع حرية الإنترنت، بين حماية القيم، وضمان حرية التعبير، وتنظيم الفضاء الرقمي بشكل عادل ومنصف.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt