بدأت الحكومة المصرية رسميًا تطبيق الزيادة الجديدة في أسعار الغاز الطبيعي المخصص للاستهلاك المنزلي، في إطار خطة الدولة لإعادة هيكلة دعم الطاقة تدريجيًا وتخفيف العبء عن موازنة الدولة. ويأتي هذا القرار بالتزامن مع التغيرات العالمية في أسعار الطاقة وارتفاع تكلفة استيراد المواد الخام ومشتقات الغاز الطبيعي، ما فرض على الجهات المعنية ضرورة إعادة النظر في تسعير الخدمات المقدمة للمواطنين.
ويعد الغاز المنزلي أحد أهم عناصر البنية الأساسية في حياة المصريين، حيث يعتمد عليه ملايين المواطنين في الطهي والتدفئة، كما يُستخدم في تسخين المياه بالمنازل، مما يجعل أي تغيير في سعره محل اهتمام ومتابعة يومية. في هذا التقرير، نستعرض تفاصيل أسعار الغاز الجديدة، ونوضح الشرائح المختلفة التي تعتمد عليها الحكومة في تسعير الفاتورة، بالإضافة إلى تحليل التأثيرات المحتملة على الأسر المصرية، وردود الفعل، وتوقعات المرحلة القادمة.
بحسب القرارات المعلنة مطلع يونيو 2025، تم تعديل أسعار الغاز الطبيعي المنزلي وفقًا لشرائح استهلاك تدريجية، بهدف تقنين الدعم ووصوله إلى الفئات الأكثر استحقاقًا، مع مراعاة الاستهلاك الفعلي لكل أسرة. وجاءت التسعيرة الجديدة على النحو التالي:
الشريحة الأولى: من 0 إلى 30 مترًا مكعبًا شهريًا، السعر أصبح 4 جنيهات للمتر المكعب بدلًا من 3 جنيهات.
الشريحة الثانية: من 31 إلى 60 مترًا مكعبًا، السعر أصبح 5 جنيهات للمتر المكعب بدلًا من 4 جنيهات.
الشريحة الثالثة: أكثر من 60 مترًا مكعبًا شهريًا، السعر أصبح 7 جنيهات للمتر المكعب بدلًا من 5 جنيهات.
وتُحسب فاتورة الغاز المنزلي بناءً على الاستهلاك الشهري، حيث يتم احتساب الاستهلاك الذي يقع داخل كل شريحة بسعرها المحدد، ما يعني أن الفاتورة النهائية قد تشمل أكثر من شريحة.
ارتفاع أسعار الغاز المنزلي ليس قرارًا منفصلًا، بل هو جزء من سياق اقتصادي أوسع يمر به العالم والمنطقة، ويأتي نتيجة عدة عوامل رئيسية:
زيادة أسعار الغاز عالميًا: بسبب الحروب والصراعات الجيوسياسية في مناطق إنتاج الطاقة حول العالم.
ارتفاع تكلفة التشغيل والإنتاج المحلي: يشمل ذلك تكاليف الحفر، التكرير، المعالجة، وخدمات التوصيل.
تحقيق التوازن المالي: الدولة تهدف لتقليل عجز الموازنة الناتج عن دعم الطاقة.
تحفيز الترشيد: رفع الأسعار يدفع المواطن إلى تقليل الاستهلاك واستخدام الغاز بشكل أكثر كفاءة.
تتفاوت تأثيرات الزيادة بحسب استهلاك كل أسرة. فعلى سبيل المثال:
أسرة تستهلك 25 مترًا مكعبًا شهريًا، ستدفع حاليًا 100 جنيه بدلًا من 75 جنيهًا سابقًا.
أسرة تستهلك 50 مترًا مكعبًا، ستدفع 200 جنيه بدلًا من 170 جنيهًا تقريبًا.
أسرة تستهلك 70 مترًا مكعبًا، ستقع في الشريحة الثالثة، وسترتفع فاتورتها إلى 330 جنيهًا تقريبًا بدلًا من 270 جنيهًا.
ويُنصح المواطنون بمتابعة قراءة العداد بدقة والتأكد من الاستهلاك الشهري لتجنب الدخول في الشريحة الأعلى دون داعٍ.
تفاوتت ردود أفعال المواطنين بعد إعلان الزيادة، فبينما تقبلها البعض على مضض باعتبارها ضرورية لمصلحة الاقتصاد، أبدى آخرون تخوفهم من تراكم الأعباء الشهرية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الكهرباء والمياه والسلع الأساسية.
وفي الوقت ذاته، طالب البعض بوجود برامج دعم إضافية أو قسائم استهلاك للفئات غير القادرة.
تشير المؤشرات إلى أن أكثر الفئات تضررًا من هذه الزيادة هي:
الأسر محدودة الدخل، خاصة من لديهم عدد أفراد كبير.
كبار السن أو المرضى الذين يعتمدون على الماء الساخن يوميًا.
الأسر المقيمة في مناطق لا تصلها خدمات بديلة مثل السخانات الشمسية.
لذلك، هناك مطالب شعبية بتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية للفئات المتضررة، سواء من خلال بطاقات دعم أو خصومات استثنائية.
من الجدير بالذكر أن هذه الزيادة تخص الغاز الموصل للمنازل عبر الشبكة القومية، ولا تشمل سعر أنبوبة البوتاجاز التي يتم تداولها في المناطق غير المخدومة بشبكات الغاز.
ويُذكر أن سعر أسطوانة البوتاجاز حاليًا يتراوح بين 80 و100 جنيه حسب المنطقة، وهي تكلفة مرتفعة نسبيًا مقارنة بالغاز المنزلي في الشرائح الأولى، إلا أنها ثابتة حتى الآن ولم يتم الإعلان عن أي تغييرات بشأنها.
مع ارتفاع الأسعار، يُنصح باتباع بعض الخطوات لترشيد الاستهلاك وتقليل الفاتورة الشهرية:
التأكد من إطفاء شعلة البوتاجاز بعد الاستخدام مباشرة.
استخدام أغطية الأواني أثناء الطهي لتقليل وقت الطهو.
صيانة الأجهزة بانتظام لتقليل تسريب الغاز.
تشغيل السخان فقط عند الحاجة، وعدم تركه يعمل طوال اليوم.
التحقق من عدم وجود تسريبات في المواسير أو المحابس.
تشير بعض التحليلات الاقتصادية إلى أن أسعار الغاز قد تشهد مزيدًا من التعديلات خلال العام المقبل، في حال استمرت تكاليف الطاقة العالمية في الارتفاع، أو ارتفع الطلب المحلي، خاصة في فصل الشتاء. ومع ذلك، فإن أي زيادات مستقبلية ستكون مرتبطة بالوضع الاقتصادي العام، ومدى نجاح الحكومة في ضبط عجز الميزانية.
ضمن برامج الحماية الاجتماعية، تعمل الدولة حاليًا على تقديم بدائل لتعويض الزيادة، منها:
توسيع قاعدة بطاقات التموين.
زيادة دعم تكافل وكرامة.
تنفيذ برامج كفاءة الطاقة في المنازل.
دعم نشر السخانات الشمسية لتقليل الاعتماد على الغاز في تسخين المياه.
تأتي الزيادة الجديدة في أسعار الغاز المنزلي في إطار خطة إصلاح اقتصادي أوسع، تهدف إلى خلق توازن بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع، وضمان استدامة الموارد. وبينما يشعر بعض المواطنين بثقل هذه الزيادة، يبقى التحدي في إيجاد حلول ذكية للتوفير، وتعزيز ثقافة ترشيد الاستهلاك داخل البيوت المصرية.
وفي الوقت ذاته، يقع على الحكومة عبء تأمين بدائل للفئات غير القادرة، حتى لا تتحول هذه الإجراءات إلى عبء اجتماعي إضافي، بل تصبح خطوة نحو العدالة الاقتصادية والاستدامة.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt