الطواف حول الكعبة المشرفة من أعظم الشعائر التي يؤديها المسلم خلال مناسك الحج والعمرة، ويُعد أحد الأركان الأساسية التي لا يكتمل النسك بدونها. لكن من بين الأسئلة المتكررة التي يطرحها البعض: لماذا نطوف حول الكعبة بعكس اتجاه عقارب الساعة، بحيث تكون الكعبة على يسارنا؟ سؤال يحمل بين طياته أبعادًا شرعية وروحية وعلمية، يستحق التأمل والبحث في معانيه وأبعاده.
الطواف هو الدوران حول الكعبة المشرفة سبعة أشواط، يبدأ كل شوط من الحجر الأسود وينتهي إليه. ويُعد الطواف عبادة قلبية وجسدية، فيها خشوع ودعاء وذكر لله تعالى، ويُؤدى في عدة مناسبات:
طواف القدوم: عند دخول مكة.
طواف الإفاضة: ركن أساسي من أركان الحج.
طواف الوداع: عند مغادرة مكة.
الطواف التطوعي: الذي يمكن أداؤه في أي وقت.
عند تأدية الطواف، يكون وضع الكعبة دائمًا على يسار الطائف، ويبدأ المسلم من عند الحجر الأسود ويدور عكس عقارب الساعة. هذا الترتيب ليس عشوائيًا، بل مقصود وله أبعاد متعددة، تشمل:
أشارت دراسات فلكية وفيزيائية إلى أن معظم الحركات الكونية في النظام الشمسي والذري تتم بعكس اتجاه عقارب الساعة، مثل:
دوران الأرض حول الشمس.
دوران القمر حول الأرض.
حركة الإلكترونات حول نواة الذرة.
هذا الانسجام مع الحركة الكونية يُعبّر عن وحدة النظام الإلهي في خلقه، والطواف بهذا الشكل يعكس ارتباط الإنسان بالكون كجزء من منظومة الخلق.
كما أكد العلماء أن تغيير اتجاه الطواف يبطل النسك، ما يدل على أن الأمر تعبدي بحت، لا يُخضع لاجتهادات أو تفسيرات شخصية.
الطواف ليس مجرد حركة جسدية، بل هو رحلة روحية مليئة بالدلالات:
يغرس الخضوع والتواضع: فأنت تمشي وسط حشود ضخمة، في زي موحد، لا فرق بين غني وفقير.
يعزز التركيز: الطواف يربط الجسد بالقلب واللسان في آن واحد، بذكر الله والدعاء.
يشعرك بالسكينة: الدوران حول مركز روحي يُشبه التمركز حول نقطة نورانية تمدك بالطاقة والإيمان.
بعض الباحثين يشيرون إلى أن الدوران عكس عقارب الساعة يساعد على:
تنشيط الدورة الدموية.
تحفيز مراكز الطاقة في الجسم.
ضبط التوازن العصبي والنفسي.
ورغم أن هذه الفوائد ليست من شروط صحة العبادة، إلا أنها من نعم الله على العباد في الطاعات.
الكعبة ليست فقط قبلة للصلاة، بل هي نقطة المركز في حياة المسلم، ومنها تبدأ حركة الطواف التي تُذكّر الإنسان بأن حياته تدور حول طاعة الله، وأنه مهما ابتعد، يجب أن يعود إلى هذا المركز بالإخلاص والنية الصادقة.
إذا اعتبرنا أن اتجاه عقارب الساعة يرمز إلى الزمن الدنيوي والتقلبات المادية، فإن الطواف عكس عقارب الساعة يُمكن أن يُرى رمزيًا كتحرر من قيود الزمان، واتصال بالروحانيات والأبديّة.
ولعل في هذا التسليم يكمن جوهر الإيمان، فالطواف يعيد الإنسان إلى مركزه، ويربطه بخالقه، ويجدد في قلبه العهد بأن الله هو المقصد والغاية في كل زمان ومكان.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt