في الوقت الذي يعتمد فيه مرضى السكري على الأنسولين للسيطرة على مستويات السكر في الدم، يُفاجأ البعض منهم بارتفاع مفاجئ وغير مبرر في معدل الجلوكوز، رغم انتظامهم في أخذ الدواء. هذه الحالة المحيرة تُثير القلق وتستدعي الفهم الدقيق للأسباب المحتملة التي قد تؤدي إلى هذا الارتفاع، حتى مع الالتزام بخطة العلاج.
في هذا التقرير، نستعرض أبرز الأسباب الطبية والروتينية التي قد تفسر هذه الظاهرة، إلى جانب نصائح مهمة للوقاية منها.
الأنسولين، سواء الطبيعي الذي يفرزه الجسم أو الصناعي الذي يُحقن به المريض، مسؤول عن نقل الجلوكوز من الدم إلى الخلايا لاستخدامه كمصدر للطاقة. ولكن في بعض الحالات، لا يكفي مجرد حقن الأنسولين لخفض نسبة الجلوكوز، خاصة إذا كانت هناك عوامل أخرى تُقلل من فاعلية الأنسولين أو ترفع من مستوى السكر بصورة غير مباشرة.
واحدة من أبرز الأسباب الشائعة. تحدث عندما تفقد خلايا الجسم حساسيتها للأنسولين، فلا تستجيب له بشكل فعال، مما يجعل عملية إدخال الجلوكوز إلى الخلايا صعبة، فيتراكم السكر في الدم. هذه الحالة شائعة أكثر لدى مرضى السكري من النوع الثاني، خاصة إذا كان المريض يعاني من السمنة أو قلة النشاط البدني.
حتى وإن كان المريض يأخذ الأنسولين بانتظام، فإن تناول وجبات غنية بالكربوهيدرات أو السكريات قد يرفع نسبة الجلوكوز بشكل يتجاوز قدرة الأنسولين على السيطرة عليه. من المهم الانتباه لنوعية وكمية الأطعمة المتناولة، وتوزيعها على مدار اليوم.
الطريقة التي يُحقن بها الأنسولين تؤثر بشكل كبير على فعاليته. إذا تم الحقن في أماكن بها ندبات، أو في نفس الموضع بشكل متكرر، فقد لا يُمتص الأنسولين كما ينبغي. كذلك، استخدام سرنجات قديمة أو غير مناسبة قد يُقلل من كفاءة الدواء.
الأنسولين دواء حساس جدًا لدرجات الحرارة. إذا تم تخزينه بشكل غير صحيح – كأن يُحفظ في درجة حرارة مرتفعة أو يُترك خارج الثلاجة لفترات طويلة – فقد يفقد مفعوله جزئيًا أو كليًا، مما يؤدي إلى فشل في خفض مستوى الجلوكوز.
العوامل النفسية مثل التوتر، القلق، أو حتى الاكتئاب يمكن أن تؤثر على هرمونات الجسم، وتؤدي إلى إفراز هرمونات ترفع سكر الدم مثل الكورتيزول. لذلك، قد يجد بعض المرضى أن مستويات الجلوكوز ترتفع في أوقات التوتر الشديد حتى بدون تغيير في جرعات الأنسولين أو الغذاء.
النشاط البدني يساعد الجسم على استخدام الجلوكوز بكفاءة أكبر، كما يُحسن من حساسية الخلايا للأنسولين. في حال توقف المريض عن ممارسة التمارين أو انخفض مستوى حركته، قد يؤثر ذلك على قدرة الجسم على استهلاك السكر الزائد، وبالتالي يبقى في الدم.
الإصابة بالعدوى – سواء فيروسية أو بكتيرية – أو حتى نزلات البرد، ترفع من حاجة الجسم للسكر لمحاربة الميكروب، مما يؤدي إلى ارتفاع طبيعي في مستويات الجلوكوز. في هذه الحالة، قد يحتاج المريض إلى تعديل مؤقت في جرعات الأنسولين بالتنسيق مع الطبيب.
الدورة الشهرية أو أي تغيرات هرمونية لدى النساء قد تؤثر على استجابة الجسم للأنسولين، ما يؤدي إلى ارتفاعات مؤقتة في سكر الدم. كذلك، الحمل أو انقطاع الطمث من المراحل التي تشهد تقلبات واضحة في استجابة الجسم للعلاج.
من الضروري ألا يعتمد المريض فقط على الشعور أو الأعراض، بل يجب قياس نسبة الجلوكوز بانتظام باستخدام جهاز قياس السكر. في حال تكررت حالات الارتفاع رغم تناول الأنسولين، يجب:
مراجعة الطبيب فورًا.
التحقق من تاريخ صلاحية الأنسولين وطريقة تخزينه.
فحص أماكن الحقن وتغييرها بانتظام.
إعادة تقييم خطة التغذية.
محاولة تقليل مصادر التوتر والقلق.
الاحتفاظ بسجل يومي لمستويات السكر، الوجبات، ومواعيد الأنسولين.
المتابعة المستمرة مع الطبيب لتعديل الجرعات حسب الحالة.
ممارسة التمارين الرياضية المعتدلة مثل المشي اليومي.
الالتزام بنظام غذائي منخفض الكربوهيدرات وغني بالألياف.
التحقق الدوري من سلامة الإبر والحقن وتغيير المواضع باستمرار.
إذا شعر المريض بأعراض مثل العطش الشديد، التبول المتكرر، الإرهاق العام، ضيق التنفس، أو الغثيان – مع تسجيل مستويات عالية جدًا من السكر (أكثر من 300 مجم/ديسيلتر) – فيجب التوجه فورًا إلى المستشفى، فقد تكون هذه بداية لحالة خطيرة تُعرف باسم "الحماض الكيتوني السكري".
الاعتماد على الأنسولين فقط دون مراجعة العوامل الأخرى المؤثرة يُعرض المريض لخطر التقلبات الحادة في مستويات الجلوكوز. لذلك، فإن الفهم الجيد للجسم، والانتباه للتفاصيل اليومية، والالتزام بنمط حياة صحي هو الأساس في إدارة مرض السكري والتمتع بحياة متوازنة وآمنة.
هل لاحظت ارتفاعًا في مستوى السكر رغم التزامك بالعلاج؟ لا تتردد في مراجعة طبيبك لتقييم الأسباب، فالوقاية تبدأ من هنا.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt