في واقعة تثير التأمل أكثر مما تثير الدهشة، تصدّر لاعب سابق في صفوف نادي باريس سان جيرمان الفرنسي عناوين الصحف بعد أن بدأ عمله كسائق في شركة "أوبر". اللاعب، الذي لطالما كان نجمًا على المستطيل الأخضر وشارك في أحد أكبر أندية أوروبا، قرر أن يغير مسار حياته المهني بعد سنوات من الاعتزال، وهو ما فتح باب النقاش مجددًا حول مصير اللاعبين بعد نهاية مشوارهم الرياضي، ومدى استقرارهم المالي والاجتماعي بعد الاعتزال.
اللاعب الفرنسي السابق ريكاردو فاتي، الذي سبق له اللعب لنادي باريس سان جيرمان في بداية مسيرته، وكذلك في أندية أوروبية أخرى، قرر بدء فصل جديد في حياته بعيدًا عن الأضواء. فقد انتقل ريكاردو، شقيق النجم المعروف محمد فاتي والد اللاعب الشاب أنسو فاتي، إلى العمل كسائق ضمن تطبيق النقل الشهير "أوبر"، وهي خطوة لم يُخفِها، بل تحدث عنها بفخر عبر وسائل الإعلام.
بعد مسيرة استمرت لسنوات في الملاعب، لم يكن من السهل على فاتي أن يجد لنفسه مسارًا جديدًا بمجرد أن أُغلق باب الاحتراف الرياضي. فكما يحدث مع كثير من اللاعبين، لم تكن هناك خطط واضحة لما بعد الاعتزال، ولا شبكة أمان مضمونة تحميهم من الانزلاق في فراغ مهني أو مالي.
ومع تراجع الاهتمام الإعلامي به، وجد فاتي في "أوبر" فرصة حقيقية لمواصلة العمل وكسب الرزق بشكل شريف، مؤكدًا أنه لا يرى أي خجل أو تقليل من كرامته في هذا النوع من العمل، بل العكس تمامًا، فهو يشعر بالاستقلالية والاحترام.
انتشرت قصة اللاعب السابق بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتباينت ردود الأفعال بين مشيد بشجاعته وواقعيته، وبين من عبّر عن صدمته من تحوّل لاعب سابق في نادٍ بحجم باريس سان جيرمان إلى وظيفة بعيد تمامًا عن الأضواء.
وسائل إعلام فرنسية وعالمية تناولت القصة باعتبارها مثالًا حيًا لما يمكن أن يواجهه اللاعب بعد اعتزاله، خاصة إن لم يكن من نجوم الصف الأول الذين يحققون ملايين اليوروهات من عقود الرعاية والإعلانات.
تشير تجربة ريكاردو فاتي إلى أن كرة القدم، رغم بريقها، لا تضمن دائمًا مستقبلًا مريحًا لكل من يمارسها. فهناك آلاف اللاعبين حول العالم ممن يعتزلون دون تأمين مالي كافٍ، ويجدون أنفسهم مضطرين للبدء من الصفر في مجالات مختلفة.
وحتى في الدوريات الأوروبية، التي تشتهر برواتبها العالية، فإن اللاعبين الذين لا يصلون إلى الشهرة العالمية غالبًا ما يواجهون تحديات مالية بعد التقاعد، خاصة إذا لم يُحسنوا استثمار أموالهم أو لم يتلقوا دعمًا في الانتقال المهني بعد الرياضة.
هذه القصة فتحت الباب للحديث عن أهمية إعداد اللاعبين نفسيًا ومهنيًا لما بعد الاعتزال. العديد من الاتحادات والأندية بدأت منذ سنوات قليلة إطلاق برامج لتأهيل لاعبيها على إدارة المال، وتعلم مهن جديدة، والدخول في مجالات مثل التدريب، التعليق الرياضي، أو حتى الاستثمار، لكن يبقى التطبيق محدودًا مقارنة بعدد اللاعبين المعتزلين سنويًا.
من خلال هذه التجربة، يوجه ريكاردو فاتي رسالة صريحة ومهمة: لا يوجد عمل مُهين طالما أن صاحبه يعمل بشرف، والأهم أن الإنسان لا يجب أن يستسلم لواقع الاعتزال أو يظل أسير الماضي، بل عليه أن يبحث عن ذاته من جديد ويبدأ دون خجل.
قصة لاعب باريس سان جيرمان السابق الذي تحول إلى سائق "أوبر" ليست مجرد حكاية فردية، بل هي مرآة تعكس واقعًا أكبر، فيه كثير من الرياضيين ممن يواجهون مستقبلًا غامضًا بعد الاعتزال. هي دعوة للمجتمع الرياضي وللشباب الطموح كي يخططوا للمستقبل من الآن، وألا يركنوا لبريق الشهرة المؤقتة.
فتيار الحياة لا يتوقف، ومن يملك الإرادة يمكنه أن يعبر من النجومية إلى حياة بسيطة كريمة دون أن يفقد احترامه لنفسه أو احترام الناس له.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt