أثارت قضية سقوط «بيتر تاتو» ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، بعد القبض عليه مؤخرًا من قبل الأجهزة الأمنية، وذلك على خلفية تورطه في عدد من المخالفات والاتهامات، والتي أعادت إلى الأذهان تاريخه السابق في قضايا مشابهة. الاسم الذي ارتبط بملف "الوشم والفيديوهات الجريئة" عاد للواجهة، ولكن هذه المرة من بوابة القانون والتحقيقات.
الواقعة لم تمر مرور الكرام، خاصة أن «بيتر تاتو» يعتبر من أبرز الشخصيات التي استخدمت السوشيال ميديا للانتشار، وكان يقدم محتوى أثار انقسامًا واسعًا بين المتابعين، ما بين من يرى فيه حرية شخصية، ومن يعتبره خروجًا عن القيم العامة.
«بيتر تاتو» هو شاب في الثلاثينات من عمره، اشتهر على منصات التواصل الاجتماعي بتقديمه لفيديوهات قصيرة يستعرض فيها عمليات رسم التاتو على أجساد الزبائن، رجالًا ونساء، وكان يقدم تلك المشاهد بطريقة مسرحية جريئة تعتمد على أسلوب لفت الانتباه والمبالغة في التفاصيل.
وقد نجح في تكوين قاعدة جماهيرية كبيرة من المتابعين، لا سيما من فئة الشباب، وحقق شهرة واسعة ساعدته في تحويل نشاطه إلى علامة تجارية، إلا أن شهرته لم تكن دائمًا في الاتجاه الإيجابي، حيث واجه انتقادات متكررة بسبب محتوى الفيديوهات التي يقدمها، خاصةً أنها تحتوي على مشاهد لا تتماشى مع الذوق العام في المجتمع.
بحسب ما هو متداول، فإن «بيتر تاتو» سبق وأن تم اتهامه في قضيتي آداب، وهو ما فتح الباب للجدل من جديد بشأن طبيعة المحتوى الذي يقدمه، ومدى قانونيته. ورغم خروجه من القضايا السابقة دون إدانات نهائية، إلا أن الشبهات ظلت تلاحقه، خاصة في ظل استمرار نفس النمط من الفيديوهات والأنشطة.
ومع تكرار البلاغات من بعض المواطنين ضد ما وصفوه بـ"الإساءة للمجتمع وتحفيز السلوكيات غير المقبولة"، بدأت السلطات في تتبع المحتوى المقدم، إلى أن تم تحديد مكانه وإلقاء القبض عليه خلال الأيام الأخيرة.
في عملية أمنية دقيقة، تمكنت الجهات المعنية من تحديد موقع «بيتر تاتو»، وتم ضبطه أثناء تواجده بأحد الاستوديوهات التي يُرجح استخدامها لتصوير محتوى الفيديوهات. وخلال التفتيش، عثرت السلطات على مجموعة من المعدات المستخدمة في رسم التاتو، بالإضافة إلى أجهزة تصوير، وملفات فيديو عديدة.
وبحسب ما يتم تداوله، فإن هناك اتهامات تتعلق باستخدام محتوى مصور غير لائق بهدف التربح، وكذلك مخالفة قوانين الآداب العامة، إلى جانب التحقيق في ما إذا كان هناك مخالفات أخرى متعلقة بالترخيص والممارسات المهنية غير القانونية.
فور انتشار خبر القبض عليه، اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بردود فعل متفاوتة. البعض اعتبرها خطوة إيجابية لضبط الفوضى المنتشرة في المحتوى الرقمي، خاصة مع تزايد ظاهرة صناع المحتوى غير المؤهلين الذين ينجحون في حصد ملايين المشاهدات من خلال محتوى صادم أو جريء.
في المقابل، دافع عدد من المتابعين عنه، معتبرين أن ما يقدمه يدخل تحت بند الحرية الشخصية، ولا يجب محاسبته ما لم تكن هناك مخالفة صريحة للقانون.
إلا أن الغالبية اتفقت على أن هناك ضرورة لوجود رقابة حقيقية على المحتوى الذي يتم تقديمه عبر الإنترنت، لا سيما حين يتعلق الأمر بمحتوى مرئي مؤثر، يصل إلى فئات عمرية صغيرة ويشكل سلوكياتها وقيمها.
الحالة التي يمثلها «بيتر تاتو» ليست الأولى من نوعها، ولكنها قد تكون من أبرزها من حيث التغطية الإعلامية واهتمام الرأي العام. ولعل ذلك يرجع إلى أن الواقعة تأتي ضمن سلسلة من الحملات التي تنفذها الجهات المختصة لضبط ما يتم تداوله على منصات مثل "تيك توك" و"إنستجرام"، والتي تحوّلت لدى البعض إلى وسيلة للربح السريع على حساب القيم والمعايير المجتمعية.
وتطرح هذه الواقعة تساؤلات عديدة: هل سيتم محاسبة الشخصيات الأخرى التي تقدم محتوى مشابهًا؟ وهل سيكون هناك تنظيم قانوني أكثر دقة للتعامل مع صناع المحتوى؟ وما هو مستقبل منصات التواصل الاجتماعي في ظل هذه التوجهات الرسمية؟
تشير المعلومات الأولية إلى أن التحقيقات مع «بيتر تاتو» لا تزال جارية، وقد تتوسع لتشمل شركاء محتملين، أو جهات قامت بتمويل أو دعم نشاطه. كما أنه من المتوقع أن يُعرض على النيابة المختصة لمواجهة التهم المنسوبة إليه، والتي قد تشمل:
انتهاك قوانين الآداب العامة.
التربح من محتوى غير قانوني.
ممارسة نشاط مهني بدون ترخيص معتمد.
استخدام أدوات ومواد قد تُصنف تحت بند الاستخدام الضار أو المخالف للمعايير الصحية.
وقد يتم الكشف عن تفاصيل أكثر في الأيام القادمة، بناءً على ما تسفر عنه التحقيقات والبلاغات المقدمة.
الحالة المطروحة تعكس صراعًا قائمًا بين مفهوم حرية التعبير عن الذات، من جهة، وبين ضرورة وجود ضوابط تحمي المجتمع من الممارسات المنفلتة من جهة أخرى.
فبينما يرى البعض أن لكل فرد الحق في تقديم نفسه كما يشاء، هناك رأي آخر يؤكد أن السلوكيات العلنية، خاصة حين تُعرض على الملايين، يجب أن تراعي المعايير الأخلاقية والقانونية.
وهنا تبرز أهمية وجود معايير واضحة للمحتوى، وتحديد الخط الفاصل بين الإبداع المباح والانحراف غير المقبول.
سبق أن أصدرت بعض الجهات تحذيرات من الاستخدام غير المنضبط للتطبيقات الرقمية، لا سيما حين يتعلق الأمر بمحتوى مرئي يُمكن أن يؤثر على الأجيال الناشئة.
ورغم ذلك، فإن عددا كبيرا من صناع المحتوى استمروا في تقديم مشاهد مستفزة أو خارجة عن المألوف، اعتقادًا بأن "الترند" والشهرة أكبر من العقوبة، وهو ما تغير مؤخرًا مع الإجراءات الحاسمة التي بدأت الدولة في تطبيقها.
من الواضح أن التعامل الرسمي مع حالات مثل «بيتر تاتو» يعكس توجهًا جديدًا نحو فرض السيطرة على المنصات الرقمية، خاصة مع تصاعد حالات الابتزاز، الانحراف، والتربح من محتوى مخالف للآداب.
ويتوقع كثيرون أن يتم مستقبلاً سن تشريعات جديدة أكثر حزمًا في هذا الإطار، تشمل:
ترخيص الأنشطة الرقمية الخاصة بالمحتوى.
وضع أكواد سلوك مهني لصناع المحتوى.
تشديد العقوبات على من يتربح من محتوى مخالف.
سقوط «بيتر تاتو» قد يكون مجرد حلقة في سلسلة طويلة من المواجهات بين الدولة وفوضى المحتوى الرقمي، لكنه يحمل رسالة واضحة لكل من يستخدم المنصات الاجتماعية كوسيلة للربح السهل أو الترويج لأفكار وسلوكيات خارجة عن السياق المجتمعي المقبول.
القانون بدأ يتحرك، والمجتمع بدأ يرفض، والسؤال الذي يبقى مطروحًا: هل يتوقف الآخرون عند هذا الحد؟ أم أن "الترند" لا يزال أقوى من الاعتبار؟
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt