مع حلول الذكرى السنوية لوفاة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، أعادت بعض المصادر القريبة من دوائر الحكم السابقة تسليط الضوء على رسالة وصفت بأنها "خطيرة" أرسلها اللواء عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق، إلى مبارك قبل أحداث ثورة 25 يناير بأسابيع قليلة.
وأثارت هذه الرسالة جدلًا واسعًا بين المهتمين بالشأن السياسي، خاصة وأن محتواها حمل تحذيرات صريحة من مخاطر قد تواجه البلاد، إضافة إلى رؤيته للوضع الداخلي والخارجي آنذاك. في هذا التقرير نستعرض تفاصيل الرسالة كما وردت في شهادات بعض المقربين، ونحلل أبعادها السياسية، ومدى تأثيرها على مجريات الأحداث في تلك الفترة الحساسة من تاريخ مصر.
بحسب ما كشفته المصادر، فقد تضمنت رسالة اللواء عمر سليمان إلى الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عدة نقاط أساسية، أبرزها:
تحذير واضح من تصاعد الغضب الشعبي بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة.
الإشارة إلى مؤشرات أولية لرغبة بعض القوى السياسية والشبابية في تنظيم احتجاجات واسعة قد تتحول إلى موجة عارمة يصعب السيطرة عليها.
الدعوة إلى اتخاذ إجراءات إصلاحية عاجلة لتهدئة الشارع المصري، بما في ذلك الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين وفتح حوار مع قوى المعارضة.
التنبيه إلى تدخلات خارجية محتملة قد تسعى إلى استغلال أي اضطرابات داخلية لتحقيق مصالحها في المنطقة.
وأكدت المصادر أن الرسالة كانت تحمل لهجة جادة وصريحة، عكست إدراك سليمان لطبيعة المرحلة وخطورة الموقف.
ذكرت بعض الروايات أن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك استمع إلى مضمون الرسالة باهتمام، إلا أنه اعتبرها "مبالغًا فيها" بحسب وصفه لبعض المقربين.
أشار مبارك إلى أن الدولة تسيطر على الأوضاع الأمنية بشكل كامل.
أبدى عدم اقتناعه بوجود مخطط واسع لإشعال الفوضى في البلاد.
ركز في تعقيبه على استمرار العمل على خطط اقتصادية طويلة الأجل بدلًا من اتخاذ "إجراءات استثنائية" كما جاء في نصائح سليمان.
هذا الموقف اعتبره البعض لاحقًا إحدى نقاط الضعف التي ساهمت في فقدان النظام السيطرة على الأحداث عندما اندلعت الثورة.
كان اللواء عمر سليمان يعد أحد أهم وأقرب رجال الدولة للرئيس مبارك، وقد تولى ملفات حساسة تتعلق بالأمن القومي والسياسة الخارجية.
ثقة متبادلة: استمر التعاون بينهما لأكثر من عقدين في ملفات حيوية.
اختلافات في الرؤية: رغم العلاقة القوية، إلا أن تلك الفترة شهدت خلافات محدودة في وجهات النظر حول أولويات إدارة الأزمات.
دور لاحق: بعد تنحي مبارك، ظهر اسم سليمان كأحد المرشحين لمرحلة انتقالية، ما عزز الجدل حول مواقفه في الأيام الأخيرة للنظام.
يرى محللون سياسيون أن رسالة عمر سليمان كانت تحمل بعدين أساسيين:
البعد الأمني: محاولة استباق أي تحركات قد تهدد استقرار الدولة من الداخل أو الخارج.
البعد الإصلاحي: دفع القيادة السياسية إلى تقديم تنازلات قد تجنب البلاد مسارًا أكثر تعقيدًا.
ويعتقد الخبراء أن تجاهل مضمون الرسالة ساهم في تسريع وتيرة الأحداث، خاصة مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت ميادين مصر خلال يناير 2011.
تباينت شهادات المقربين حول فحوى الرسالة، حيث ذكر بعضهم أنها كانت:
بمثابة "جرس إنذار مبكر" لما سيحدث لاحقًا.
خطة عملية تتضمن خطوات واضحة لتهدئة الأوضاع.
تحذيرًا شديد اللهجة من تدخلات إقليمية ودولية محتملة.
بينما رأى آخرون أنها لم تتجاوز كونها تقريرًا أمنيًا دوريًا تم رفعه إلى الرئيس، دون أن تحمل طابع "الخطورة" التي وصفها بها البعض.
يبقى التساؤل قائمًا بين الخبراء والمحللين: هل كان من الممكن تجنب سقوط نظام مبارك لو تم الأخذ بنصائح عمر سليمان؟
رأي المؤيدين: نعم، لو أن القيادة اتخذت إجراءات سريعة مثل تخفيف القبضة الأمنية وفتح المجال السياسي.
رأي المعارضين: لا، لأن العوامل الداخلية والخارجية التي تفاعلت في تلك الفترة كانت أكبر من قدرة أي إصلاحات جزئية على إيقافها.
يعتقد مراقبون أن إعادة الحديث عن هذه الرسالة في الذكرى السنوية لوفاة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك تحمل رسائل ضمنية، أهمها:
محاولة فهم أسباب انهيار نظام استمر 30 عامًا في الحكم.
تقييم الدور الذي لعبه كبار المسؤولين آنذاك في إدارة الأزمات.
استخلاص الدروس السياسية لتجنب تكرار الأخطاء نفسها في المستقبل.
وتبقى رسالة عمر سليمان واحدة من الوثائق التي أثارت ولا تزال تثير الجدل حول الكواليس الأخيرة للحكم، ومدى جاهزية الدولة حينها للتعامل مع التحولات السريعة في الداخل والخارج.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt