في خطوة تعكس اهتمام الدولة بتحسين ظروف العاملين في القطاع غير الرسمي، أصدر وزير العمل توجيهات عاجلة بحصر جميع العاملين في خدمات توصيل الطلبات "الدليفري" على مستوى الجمهورية. وتأتي هذه التوجيهات ضمن خطة شاملة لدمج هذه الفئة تحت مظلة الحماية الاجتماعية، وضمان حصولهم على حقوقهم كاملة، سواء من الناحية التأمينية أو الصحية أو المهنية.
وقد شهدت خدمات التوصيل ازدهارًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، خاصة في أعقاب جائحة كورونا، ما أدى إلى زيادة عدد العاملين في هذا القطاع، سواء بشكل فردي أو من خلال التطبيقات الذكية، دون تنظيم واضح لعلاقات العمل، أو ضمان لحقوق هؤلاء العمال.
يهدف القرار الوزاري إلى إعادة تنظيم قطاع عمل ظل لسنوات خارج نطاق الرعاية الرسمية، رغم كونه يشمل مئات الآلاف من الشباب في مصر. ويأتي في إطار الجهود المستمرة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوسيع قاعدة المستفيدين من أنظمة الحماية الاجتماعية، بما يتماشى مع توجهات الدولة في تحسين بيئة العمل، وتقليل الفوارق الاقتصادية.
تشمل الخطة التي وجه بها وزير العمل عدة محاور أساسية:
حصر عدد العاملين بالدليفري: من خلال التعاون مع شركات التوصيل، والمنصات الإلكترونية، ومندوبي الطلبات.
إنشاء قاعدة بيانات وطنية: تشمل جميع العاملين في هذا القطاع، وتُحدث بشكل دوري.
إعداد كود عمل خاص بهم: يحدد طبيعة عملهم، وشروط التعاقد، وضمانات الحماية.
التنسيق مع وزارة التضامن الاجتماعي: لضمان شمولهم بأنظمة التأمينات والمعاشات.
يعاني عمال التوصيل من مشكلات متعددة، أبرزها:
عدم وجود عقود عمل واضحة.
غياب التأمين الصحي والاجتماعي.
التعرض للمخاطر المرورية والحوادث أثناء العمل.
ضعف الدخل وعدم وجود حد أدنى للأجور.
ضغط العمل، وغياب أي ضمانات قانونية تحميهم من الفصل التعسفي أو الاستغلال.
لاقى هذا التوجيه ارتياحًا كبيرًا بين العاملين في مجال التوصيل، حيث أعرب عدد من الدليفري عن أملهم في أن تكون هذه الخطوة بداية لتحسين أوضاعهم المعيشية، وتوفير بيئة عمل آمنة ومستقرة، تضمن لهم حقوقهم مثل باقي الفئات العاملة.
وأكد بعضهم أن الاعتراف الرسمي بهم كفئة عمالية سيمنحهم احترامًا أكبر داخل المجتمع، ويقلل من استغلال بعض الشركات أو التطبيقات التي تفرض شروطًا مجحفة دون رقابة.
شدد وزير العمل على أن دور الشركات في هذا الملف سيكون محوريًا، إذ يُطلب منها:
تسجيل بيانات كل مندوب يعمل من خلالها.
توفير وسائل السلامة المهنية للعاملين.
توقيع عقود عمل محددة مع الدليفري.
المساهمة في سداد حصة التأمينات الخاصة بالموظفين.
وقد تعهدت بعض الشركات بالتعاون الكامل مع الوزارة، خاصة تلك التي تحرص على سمعتها في السوق المصري، بينما أبدت بعض المنصات الفردية تحفظًا، وهو ما قد يتطلب تدخلًا تشريعيًا لاحقًا.
الحماية الاجتماعية لا تعني فقط توفير التأمينات، بل تشمل:
تأمين صحي شامل يغطي إصابات العمل.
معاش عند بلوغ سن التقاعد.
دعم مالي عند العجز أو المرض.
الاستفادة من برامج الإسكان والتمويل التي تقدمها الدولة.
وتؤكد وزارة العمل أن هذه المزايا ستكون متاحة لكل من يتم تسجيله ضمن قاعدة البيانات الجديدة.
رغم الترحيب العام، ظهرت بعض التخوفات من قبل بعض العاملين:
إمكانية فرض ضرائب جديدة عليهم.
صعوبة التسجيل للعاملين بشكل حر دون شركات.
ضعف الوعي بحقوقهم أو بكيفية الانضمام للنظام الجديد.
وتسعى الوزارة إلى مواجهة هذه التحديات من خلال حملات توعية، وتبسيط إجراءات التسجيل، وإطلاق تطبيقات إلكترونية تتيح تسجيل العامل بنفسه بسهولة.
ضمن الخطة الأوسع، تستعد وزارة العمل لإطلاق عدد من المبادرات:
دورات تدريبية للعاملين على معايير السلامة والتعامل مع العملاء.
دعم مالي لإنشاء مشروعات صغيرة في قطاع التوصيل.
برامج شراكة مع الجامعات لتطوير حلول تكنولوجية لتنظيم القطاع.
إصدار بطاقات تعريف مهنية للعاملين كدليفري رسمي.
قرار وزير العمل بحصر عمال الدليفري ومنحهم الحماية الاجتماعية خطوة هامة على طريق إصلاح سوق العمل غير الرسمي في مصر. هذه الفئة التي عملت طويلًا في الظل باتت اليوم على أعتاب الاعتراف الرسمي، بما يحفظ كرامتها، ويضمن لها حياة كريمة، ويعزز دورها في الاقتصاد الوطني.
وتبقى المسؤولية مشتركة بين الدولة، والشركات، والعاملين أنفسهم، لإنجاح هذا التوجه وضمان استدامته. فكل فرد يعمل يجب أن ينال حقوقه كاملة، دون تفرقة أو تمييز، وهو ما تسعى إليه الدولة المصرية من خلال رؤية شاملة للعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt