في خطوة جديدة نحو تعزيز دور المؤسسات الدينية في دعم العملية التعليمية في مصر، أعلنت وزارة الأوقاف عن بدء التعاون مع وزارة التربية والتعليم لإطلاق مشروع جديد يتضمن إنشاء حضانات تعليمية داخل عدد من المساجد الكبرى، وذلك في إطار خطة الدولة لدعم الطفولة المبكرة، وتوفير بيئة تعليمية آمنة ومتكاملة للأطفال، خاصة في المناطق الأكثر احتياجًا.
المبادرة التي تم الكشف عنها خلال لقاء جمع مسؤولي الوزارتين، أثارت اهتمامًا واسعًا، وطرحت عددًا من الأسئلة حول طبيعة هذا التعاون، والأهداف المرجوة منه، وآلية التنفيذ، ومدى قدرة المساجد على احتضان هذا النوع من المؤسسات التعليمية.
الهدف الرئيسي من هذه المبادرة هو توفير خدمات تعليمية مبكرة عالية الجودة للأطفال، خصوصًا في المناطق التي تفتقر للبنية التحتية الكافية لاحتواء عدد كبير من الحضانات. وتسعى الدولة من خلال هذا التعاون إلى:
استغلال المساحات المتاحة داخل بعض المساجد الكبرى والمجهزة إداريًا.
توفير أماكن حضانة آمنة وقريبة من المواطنين.
دعم المرأة العاملة عبر توفير أماكن لرعاية الأطفال بالقرب من أماكن إقامتها.
رفع مستوى التعليم المبكر من خلال دمج القيم التربوية والدينية المعتدلة.
بحسب ما تم الإعلان عنه، فإن التعاون سيتم وفقًا لبروتوكول رسمي مشترك بين وزارتي الأوقاف والتربية والتعليم، ويتضمن البروتوكول عددًا من البنود أبرزها:
تخصيص عدد من المساجد الكبرى التابعة للأوقاف لإنشاء الحضانات داخلها.
التزام وزارة التربية والتعليم بتوفير المناهج، والمعلمين، والإشراف الفني على الحضانات.
إشراف مشترك بين الوزارتين على النواحي الإدارية والتربوية.
مراجعة المناهج لضمان توافقها مع قيم التسامح والانضباط والانتماء.
اعتماد الحضانات رسميًا ضمن منظومة التعليم المبكر التابعة للدولة.
أوضحت وزارة الأوقاف أن اختيار المساجد سيتم وفق معايير دقيقة تضمن جاهزيتها واستيفاءها للشروط التالية:
وجود مساحة مناسبة ومخصصة داخل المسجد بعيدة عن قاعات الصلاة.
توفر دورات مياه منفصلة ومجهزة للأطفال.
إمكانية تأمين الدخول والخروج بشكل منظم وآمن.
توافر التهوية والإنارة الملائمة للمكان.
التزام إداري من القائمين على المسجد بالتعاون مع فريق الحضانة.
وأكدت الوزارة أن الأولوية ستكون للمساجد الواقعة في المناطق الأكثر احتياجًا، خاصة في المحافظات الحدودية والقرى النائية.
أعلنت وزارة التربية والتعليم أن المناهج التي سيتم تدريسها داخل الحضانات بالمساجد ستكون نفس مناهج الحضانات الحكومية والخاصة المعتمدة، مع مراعاة تضمين بعض القيم التربوية والسلوكيات الإيجابية التي تتماشى مع البيئة الدينية للمكان.
وتشمل هذه المناهج:
تنمية المهارات اللغوية والتواصلية.
التدريب على السلوكيات الصحية والبيئية.
تعلم مبادئ النظام والانضباط.
تعريف مبسط بالقيم الدينية كالأمانة والصدق والتسامح.
أنشطة فنية وحركية لتقوية المهارات الحركية والعقلية.
أشارت التصريحات الأولية إلى أن النموذج المقترح يتضمن إنشاء حضانات برسوم رمزية تتناسب مع قدرات الأسر، خاصة في المناطق منخفضة الدخل. كما تم التنسيق مع عدد من الجمعيات الخيرية للمساهمة في تغطية بعض التكاليف للطلاب غير القادرين.
وقد أكدت وزارة الأوقاف أن هذا المشروع لا يهدف إلى الربح، بل إلى تقديم خدمة اجتماعية وتعليمية متكاملة، وستتم المتابعة الدورية من الجهات المعنية لضمان الالتزام بالمستوى التعليمي والمعايير التربوية.
يرى خبراء التعليم أن إطلاق حضانات تعليمية في المساجد خطوة مبتكرة ستسهم في:
زيادة عدد الحضانات الرسمية داخل الجمهورية.
تحسين نسبة الالتحاق بالتعليم المبكر.
تخفيف الضغط عن المدارس الابتدائية من خلال إعداد جيد للأطفال.
ترسيخ القيم الدينية المعتدلة لدى النشء منذ الصغر.
توفير فرص عمل جديدة في مجال التربية والتعليم.
ويشير البعض إلى أهمية مراقبة التنفيذ بدقة، لمنع أي استغلال سياسي أو دعوي للمساجد أو الأطفال، خاصة أن الملف حساس ويتطلب شفافية شديدة.
سبق أن تم تنفيذ تجارب مشابهة في بعض الدول الإسلامية مثل تركيا وإندونيسيا وماليزيا، حيث تم دمج الحضانات والتعليم المبكر داخل المساجد بنجاح، مع ضمان الفصل بين الأنشطة الدينية والتعليمية، وتوفير بيئة آمنة ومناسبة للأطفال.
كما توجد مبادرات مماثلة على مستوى محدود في بعض قرى الصعيد، كانت تعتمد على جهود فردية أو أهلية، لكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إقرار نموذج رسمي بالتعاون بين الوزارات في مصر.
لطالما كانت المساجد في مصر تقوم بدور اجتماعي واسع، إلى جانب وظيفتها الدينية. وتشمل هذه الأدوار:
تحفيظ القرآن الكريم.
تنظيم دروس التوعية والإرشاد.
تقديم مساعدات للأسر الفقيرة.
إقامة أنشطة للأطفال والنساء.
التفاعل مع القضايا المحلية للمجتمع.
ومن هنا يأتي هذا المشروع كامتداد طبيعي لهذا الدور، ولكن هذه المرة بشكل أكثر تنظيمًا واحترافية، ووفق إشراف وزاري يضمن تحقيق الأهداف المرجوة منه.
رغم الإشادة الواسعة بالمشروع، إلا أن هناك بعض التحديات التي قد تواجه التنفيذ الفعلي له، منها:
مقاومة بعض الإدارات الدينية لفكرة إدخال نشاط تعليمي داخل المسجد.
قلة الموارد في بعض المناطق لتنفيذ معايير الحضانة.
الحاجة لتدريب كوادر قادرة على التعامل مع الأطفال في بيئة دينية.
ضرورة الفصل بين النشاط الديني والتربوي داخل نفس المبنى.
إمكانية حدوث تداخل أو استغلال سياسي للدور الجديد.
لذلك، شددت وزارة التربية والتعليم على أن المشروع سيُطبق تدريجيًا وبشكل تجريبي في البداية، قبل التوسع على مستوى الجمهورية.
المشروع يُنفذ كمرحلة أولى في 10 محافظات تشمل: القاهرة، الجيزة، الإسكندرية، الفيوم، المنيا، أسوان، شمال سيناء، البحيرة، سوهاج، وقنا.
تستهدف المرحلة الأولى تجهيز 100 مسجد بحضانات تعليمية.
تم تخصيص موازنة مشتركة لتمويل الإنشاءات والتجهيزات داخل المساجد المختارة.
تم الاتفاق على تدريب 500 معلمة كمرحلة أولى على النظام الجديد.
هناك خطة لتقييم الأثر المجتمعي والتعليمي للمشروع بعد أول عام من التشغيل.
يمثل التعاون بين وزارتي الأوقاف والتربية والتعليم لإطلاق حضانات تعليمية داخل المساجد نقلة نوعية في التكامل بين العمل الدعوي والاجتماعي والتربوي، ويعكس وعي الدولة بأهمية دعم الطفولة المبكرة في إطار قيم مجتمعية أصيلة. ورغم التحديات المتوقعة، فإن التجربة إذا نُفذت باحترافية وضوابط واضحة، يمكن أن تسهم في تطوير نظام التعليم المبكر في مصر، وتحقيق الاستفادة القصوى من موارد الدولة ومؤسساتها، وخاصة في المناطق التي تحتاج إلى دعم حقيقي في هذا الجانب.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt