أطلق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تصريحات نارية جديدة، أثارت جدلًا واسعًا على الساحة الدولية، بعد أن أعلن في خطاب جماهيري أن "المنشآت النووية الإيرانية الثلاثة قد تم القضاء عليها كليًا"، دون توضيح توقيت أو طبيعة هذا "القضاء".
وذكر ترامب خلال كلمته في أحد المؤتمرات السياسية الكبرى التي عقدت في ولاية فلوريدا، أن بلاده تحت قيادته السابقة كانت على وشك إنهاء البرنامج النووي الإيراني بشكل نهائي، مشيرًا إلى ما وصفه بـ "نجاحات عسكرية سرية" لم يتم الكشف عنها سابقًا.
أثارت هذه التصريحات المفاجئة ردود فعل متباينة داخل الولايات المتحدة وخارجها، حيث خرج عدد من المراقبين العسكريين الأمريكيين للتشكيك في دقة ما قاله ترامب، مطالبين بالكشف عن أي أدلة رسمية تؤكد صحة هذه الادعاءات.
في المقابل، التزمت القيادة الإيرانية الصمت التام تجاه هذه التصريحات حتى لحظة إعداد هذا التقرير، ما زاد من الغموض والتساؤلات حول مدى دقة ما ورد في الخطاب.
وفي إسرائيل، رُحّب بهذه التصريحات، حيث خرج بعض المحللين في القنوات العبرية ليؤكدوا أن "ترامب كان الأقرب إلى كبح جماح إيران عسكريًا"، في حين اعتبر مسؤولون أوروبيون هذه التصريحات "محاولة للعودة إلى المشهد السياسي على حساب استقرار المنطقة".
تمتلك إيران عددًا من المنشآت النووية المعروفة دوليًا، والتي خضعت في فترات سابقة لتفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من أبرزها:
منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم
منشأة فوردو تحت الأرض
مفاعل آراك للماء الثقيل
وتعد هذه المنشآت النواة الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، الذي تقول طهران إنه "سلمي لأغراض الطاقة والبحث العلمي"، في حين تتهمه دول غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بأنه يسعى لتطوير قدرات تسليحية نووية.
حتى الآن، لا توجد أي تقارير دولية موثقة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو من مصادر عسكرية موثوقة تؤكد ما قاله ترامب. ولم ترصد الأقمار الصناعية أو التقارير الاستخباراتية أي مؤشرات على هجمات كبرى استهدفت منشآت إيران النووية في الفترة القريبة الماضية.
وبالتالي، يرى محللون أن ما قاله ترامب قد يكون:
مبالغة سياسية تهدف لحشد الدعم قبل الانتخابات المقبلة.
إشارة غير مباشرة إلى عمليات استخباراتية نفذتها واشنطن أو حلفاؤها.
أو مجرد تصريحات دعائية لإبراز دوره في التعامل مع "التهديد الإيراني".
تأتي تصريحات ترامب في وقت حساس، إذ يستعد للعودة رسميًا إلى السباق الرئاسي في الانتخابات الأمريكية المقبلة 2026، حيث يواجه منافسة قوية من الحزب الديمقراطي ومرشحين جمهوريين آخرين.
ويرى مراقبون أن ترامب يحاول استعادة شعبيته بين الناخبين المحافظين عبر الحديث عن السياسة الخارجية بقوة، خاصة في ملفات حساسة مثل "إيران"، و"إسرائيل"، و"الملف النووي".
ويبدو أن ترامب يعتمد على إثارة الجدل وإعادة طرح ملفات الأمن القومي كوسيلة لـ:
تحفيز قاعدته الانتخابية التي تؤمن بسياسات "الردع الصارم".
تشويه سجل الإدارة الحالية بقيادة الرئيس جو بايدن.
إبراز نفسه باعتباره "الرجل الذي لا يتردد في اتخاذ قرارات حاسمة".
الإدارة الحالية بقيادة الرئيس بايدن اعتمدت نهجًا دبلوماسيًا تجاه إيران، متمثلًا في:
محاولات إحياء الاتفاق النووي الموقع في 2015.
تخفيف العقوبات تدريجيًا مقابل التزام إيران بحدود تخصيب اليورانيوم.
تعزيز التنسيق مع الحلفاء الأوروبيين لتفادي الصدام المباشر.
ورغم تباطؤ المحادثات في فترات سابقة، إلا أن السياسة الأمريكية الحالية لم تعتمد على المواجهة المباشرة، وهو ما يتعارض تمامًا مع النهج الذي يروج له ترامب.
أما روسيا والصين، فهما من أبرز الداعمين لإيران حاليًا، وتربطهم بها علاقات استراتيجية، ويرجّح أن أي تصعيد مفاجئ سيقابل برد فعل قوي من هذه الدول.
رغم التصريحات القوية من جانب ترامب، لا تشير التحليلات الحالية إلى وجود خطر وشيك بنشوب مواجهة عسكرية واسعة النطاق بين واشنطن وطهران، لعدة أسباب:
الأولويات الأمريكية الآن تتركز على الملف الاقتصادي والسياسي الداخلي.
أي حرب مع إيران ستكون مكلفة اقتصاديًا واستراتيجيًا.
القوى الإقليمية والدولية الكبرى تسعى لـ ضبط النفس ومنع التصعيد.
الكونغرس الأمريكي سيكون عقبة أمام أي قرار غير مدروس باستخدام القوة العسكرية.
تصريحات دونالد ترامب بشأن "القضاء كليًا على المنشآت النووية الإيرانية" قد تبدو صادمة للبعض ومبالغ فيها للبعض الآخر، لكنها تعكس استمراره في استخدام الخطاب التصادمي الذي اشتهر به طوال فترته الرئاسية.
حتى تتوفر معلومات رسمية موثقة تؤكد هذه الادعاءات، سيبقى ما قاله مجرد خطاب سياسي قابل للتأويل. ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية، من المرجح أن نشهد المزيد من التصريحات المماثلة في محاولة لاستقطاب جمهور الناخبين المحافظين.
إذا كنت ترغب في الحصول على نسخة قابلة للطباعة أو ملف PDF من المقالة، يسعدني تجهيزها لك.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt