أثارت الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود ردود فعل واسعة في مختلف الأوساط الاقتصادية، وجاءت تصريحات شعبة الدواجن باتحاد الغرف التجارية لتكشف عن جانب خطير من تداعيات هذه الزيادة، حيث أكدت الشعبة أن المزارع التي تعتمد على السولار أو "الديزل" كوقود أساسي في تشغيل المولدات وأجهزة التدفئة ستتأثر بشكل مباشر وكبير، مما يهدد استقرار إنتاج الدواجن في مصر.
هذا التصريح ألقى الضوء على أحد القطاعات الحيوية التي تُعد ركيزة في توفير الأمن الغذائي للمواطن، ويُحذر من موجة جديدة من الارتفاعات المحتملة في أسعار الدواجن والبيض خلال الفترة المقبلة، ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لتخفيف حدة التأثير.
في هذا التقرير نرصد تفاصيل التصريح، أسباب القلق من تأثير الزيادة على المزارع، نظرة تحليلية لانعكاسات الوضع على السوق، وردود الفعل في القطاع، والتوصيات المقترحة لحماية الإنتاج المحلي.
كانت الحكومة قد أعلنت مطلع شهر أبريل 2025 عن زيادات في أسعار الوقود، شملت البنزين والسولار، حيث ارتفع سعر لتر السولار من 10.25 جنيه إلى 12.25 جنيه، بزيادة قدرها جنيهين دفعة واحدة.
هذه الزيادة تُعد مؤثرة بشكل مباشر على القطاعات التي تعتمد على السولار، وفي مقدمتها مزارع الدواجن، خاصةً في القرى والمناطق الريفية التي لا تصلها الكهرباء بشكل منتظم، وتعتمد على مولدات الديزل بشكل رئيسي.
قال الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية، إن المزارع التي تعتمد على السولار في تشغيلها ستواجه ارتفاعًا كبيرًا في تكلفة الإنتاج، لا سيما في فترات الشتاء التي تحتاج فيها المزارع إلى تدفئة مستمرة للحفاظ على حياة الكتاكيت الصغيرة.
وأوضح أن تكلفة التدفئة تمثل نسبة كبيرة من نفقات المزرعة، وزيادة أسعار الوقود ستنعكس حتمًا على سعر بيع الدواجن للمستهلك، ما سيؤدي إلى مزيد من الضغط على المواطنين في ظل موجة تضخم عامة.
بحسب ما ذكرته الشعبة، فإن الضرر الأكبر سيقع على:
صغار المربين: وهم يمثلون الشريحة الأوسع من العاملين في قطاع الدواجن، ولا يملكون مخزونًا ماليًا يسمح بامتصاص صدمات الأسعار.
المزارع الريفية: التي تعمل بعيدًا عن خطوط الكهرباء وتضطر للاعتماد على المولدات بشكل دائم.
مزارع التسمين المكثف: التي تعتمد على دورات إنتاج قصيرة لكنها كثيفة الاستهلاك للطاقة.
القطاع البياض: نظرًا لاعتماده اليومي على إنارة وتدفئة دائمة للحفاظ على إنتاج البيض.
يُعد الوقود أحد العناصر الأساسية في إنتاج الدواجن، من خلال:
تشغيل المولدات الكهربائية: لتوفير الإنارة وتشغيل ماكينات التغذية والتبريد.
تدفئة العنابر: للحفاظ على درجات حرارة مناسبة للدواجن، خاصة في فصل الشتاء.
نقل الأعلاف والمنتجات: حيث تعتمد سيارات النقل على السولار، مما يرفع تكلفة التوزيع.
تشغيل المعدات داخل المزرعة: من ماكينات تقليب الأعلاف إلى أنظمة الشفط والتهوية.
مع زيادة سعر السولار، سترتفع كافة هذه التكاليف، مما ينعكس بدوره على سعر المنتج النهائي.
تشير التقديرات الأولية إلى أن أسعار الدواجن قد تشهد زيادة تتراوح بين 3 إلى 5 جنيهات في الكيلو خلال الفترة القادمة، ما لم يتم اتخاذ إجراءات داعمة للمزارعين، خاصةً الصغار منهم.
حتى الآن، لم تصدر وزارة الزراعة أو وزارة التموين أي بيان رسمي بشأن تأثير زيادة الوقود على قطاع الدواجن، لكن مصادر في اتحاد منتجي الدواجن أكدت وجود اتصالات مع الجهات المسؤولة لبحث إمكانية توفير دعم محدود أو تسهيلات في شراء المحروقات للمزارع الصغيرة.
طالبت الشعبة الجهات المعنية بعدة إجراءات للتقليل من آثار الزيادة، منها:
توفير سولار مدعوم للمزارع المرخصة
تخصيص حوافز للصغار والمربين غير القادرين
التوسع في استخدام الطاقة الشمسية في المزارع الجديدة
إعفاء بعض المعدات الزراعية من الجمارك لتقليل تكلفة الإنتاج
وأكدت الشعبة أن استمرار الوضع بهذا الشكل سيؤدي إلى خروج عدد كبير من المزارع الصغيرة من السوق، ما يهدد استقرار الإنتاج المحلي.
بحسب متابعين للسوق، فإن الأسعار ستظل في حالة تذبذب خلال أبريل ومايو 2025، مع تزايد الضغوط على المربين، خاصة مع اقتراب موسم الصيف الذي يشهد عادةً استهلاكًا أعلى للدواجن.
كما أن موسم عيد الفطر وما يليه من مناسبات قد يزيد من الطلب، وبالتالي فإن أي تراجع في حجم المعروض سيؤدي إلى ارتفاع سريع في الأسعار.
المواطن هو المتضرر الأول من أي اضطراب في قطاع الدواجن، فالدجاج يُعتبر مصدر البروتين الأرخص نسبيًا مقارنة باللحوم الحمراء، وزيادته تعني ضغوطًا إضافية على الأسر، خاصة الفئات المتوسطة ومحدودة الدخل.
أيضًا، فإن زيادة أسعار البيض المرتبطة بنفس القطاع قد تؤدي إلى تراجع استهلاكه، وهو ما قد يؤثر على النمط الغذائي العام للأسر المصرية.
تصريحات شعبة الدواجن حول تأثر المزارع التي تعمل بالديزل بالزيادة الأخيرة في أسعار الوقود تسلط الضوء على أزمة صامتة قد تتحول قريبًا إلى أزمة مكشوفة، إن لم يتم التعامل معها بجدية وسرعة.
ففي الوقت الذي تُحاول فيه الحكومة تثبيت أسعار الوقود لستة أشهر، فإن الآثار المتراكمة للزيادات السابقة بدأت تظهر بالفعل على القطاعات الإنتاجية الحساسة.
وحماية قطاع الدواجن لا تعني فقط الحفاظ على منتج غذائي، بل حماية ملايين الأسر التي تعتمد عليه كمصدر رزق ومصدر غذاء رئيسي. والمطلوب الآن هو التحرك بمرونة ووضع آليات دعم مخصصة توازن بين الإصلاح الاقتصادي والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt