شهدت الساحة القانونية في مصر خلال الأيام الماضية تطورًا مفاجئًا في قضية الطفل ياسين، التي أثارت تعاطف الرأي العام منذ اللحظة الأولى، حين تم الإعلان عن تعرضه للاعتداء داخل إحدى المدارس الخاصة. وجاء التطور الأخير بإعلان محامي الطفل، الذي تولى الدفاع عنه لأشهر طويلة، انسحابه رسميًا من القضية، مما فتح باب التساؤلات حول ملابسات القرار وتداعياته على مسار القضية نفسها.
بدأت القصة حين تداول عدد كبير من المواطنين ومواقع التواصل الاجتماعي حادثة الطفل ياسين، وهو طفل لم يتجاوز السابعة من عمره، قيل إنه تعرّض لأذى جسيم داخل إحدى المدارس الخاصة. منذ ذلك الوقت، تحولت الواقعة إلى قضية رأي عام، وانهالت المطالب بفتح تحقيق عاجل ومعاقبة المسؤولين.
مرت القضية بمراحل عديدة، حيث تولى عدد من المحامين الدفاع عن أسرة الطفل، إلا أن المحامي الأخير الذي تولى القضية كان قد واصل جهوده بشكل مكثف لمدة عام كامل، ونجح في نقل الملف من حالة الحفظ إلى ساحات المحاكم.
استمرت القضية في أروقة النيابة العامة لفترة، قبل أن يُصدر قرار بالحفظ، ما اعتبره البعض حينها صدمة كبيرة. ومع ذلك، لم تتوقف جهود الدفاع، حيث تم تقديم طعن رسمي على قرار الحفظ، وهو أمر نادر الحدوث قانونيًا، لكنه تحقق بالفعل في هذه القضية.
وتمكنت هيئة الدفاع من إعادة فتح التحقيقات مجددًا، واستُدعي المتهمون للمثول أمام المحكمة، في سابقة أعادت الأمل في إمكانية تحقيق العدالة.
بعد جلسات طويلة، نجح محامي الطفل ياسين في الحصول على حكم نهائي من محكمة الجنايات، يقضي بالسجن المؤبد لأحد المتهمين الرئيسيين في الواقعة. ويُعد هذا الحكم هو الحد الأقصى للعقوبة في مثل هذه الجرائم.
ورأى كثير من المراقبين أن صدور هذا الحكم يمثل انتصارًا قانونيًا وأخلاقيًا لأسرة الطفل، ودليلاً على أن المنظومة القضائية لا تتجاهل القضايا التي تهم الرأي العام.
رغم الجهد الكبير والانتصار القانوني، خرج المحامي المسؤول عن القضية ببيان مفاجئ يعلن فيه انسحابه من القضية نهائيًا، موضحًا أنه تعرض لسلسلة من الهجمات الشخصية، والتشكيك في نواياه، بل وصل الأمر إلى تهديدات صريحة له ولأفراد أسرته.
وقال المحامي إن قراره بالانسحاب ليس رفضًا للعدالة أو انسحابًا من المعركة القانونية، بل نتيجة مناخ مليء بالضغوط، والإساءات التي طالت الجوانب الشخصية، وليس فقط المهنية.
وأوضح في بيانه أنه دافع عن الطفل ياسين دون أي مقابل مادي، وتحمل على مدار عام كامل مصروفات السفر، الترافع، تجهيز الأوراق، والمتابعة الميدانية في أكثر من محافظة، إيمانًا منه بأهمية القضية الإنسانية، وليس طمعًا في مكسب أو شهرة.
وانقسمت الآراء بين داعم للمحامي، يرى أنه أدى دوره على أكمل وجه، وبين من يتساءل عن مستقبل القضية، والبديل الذي قد يتولى الأمر لاحقًا.
مع انسحاب محامي الدفاع، تنتقل القضية إلى مرحلة جديدة، حيث من المنتظر أن تقوم الأسرة بتعيين محامٍ بديل لتمثيل الطفل في مرحلة الاستئناف، والتي ستكون أمام دائرة جنايات جديدة.
ومن المتوقع أن تُحدد المحكمة خلال أيام موعد جلسة نظر الطعن المقدم من دفاع المتهم المحكوم عليه، مما يستدعي استعدادًا قانونيًا من الطرف الآخر، لضمان تثبيت الحكم الصادر في أول درجة.
وفي قضية الطفل ياسين، لم تتوقف الضغوط عند حدود وسائل التواصل الاجتماعي، بل امتدت – حسب تصريحات المحامي – إلى تشويه متعمد من أطراف داخلية وخارجية على حد سواء.
كما أعربت الأسرة عن امتنانها لكل من دعمهم في هذه المحنة، وأشادت بجهود المحامي الذي انسحب، مؤكدة أنه أدى دورًا لا يُنسى.
عقب هذه التطورات، ظهرت أصوات تنادي بوضع آلية لحماية المحامين الذين يترافعون في القضايا الحساسة، خاصة تلك التي تكون تحت أعين المجتمع كله، مشيرين إلى ضرورة:
توفير غطاء قانوني يحمي المحامي من الهجوم الشخصي.
منع التشهير أو النيل من سمعة المحامي قبل صدور أحكام نهائية.
تعزيز دور نقابة المحامين في الدفاع عن أعضائها.
ضبط الخطاب العام في منصات التواصل الاجتماعي تجاه العاملين في القضاء.
قضية الطفل ياسين ستظل واحدة من أبرز القضايا التي أظهرت جوانب متعددة للعدالة، بدءًا من الترافع والتضحية، ومرورًا بالحكم المشدد، وانتهاءً بانسحاب المحامي الذي فاجأ الجميع.
هي قضية أكبر من تفاصيلها، لأنها تلقي الضوء على واقع المحاماة، وضغوط القضايا الجماهيرية، وتُبرز الحاجة لمزيد من التقدير لدور كل من يسعى لتحقيق العدالة، حتى لو لم يكن جزءًا من دائرة الضوء أو المال.
ما زال الطريق أمام القضية طويلًا، وما زال الأمل قائمًا في أن يُكتب لها نهاية عادلة، تحفظ حق الطفل، وترد الاعتبار لكل من وقف إلى جانبه.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt