أثارت تصريحات أحد أمناء الفتوى بدار الإفتاء المصرية، بشأن جواز وضع المرأة للكحل الملون – مثل الأزرق أو الأخضر – عند الخروج من المنزل بشروط محددة، تفاعلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الأوساط الدينية والاجتماعية، بين مؤيد ومعارض، وبين من رأى في الفتوى توضيحًا فقهيًا مهمًا، وبين من انتقد ما وصفه بـ"التساهل في فتاوى الزينة".
وتأتي هذه الفتوى في إطار الاستفسارات المتكررة من النساء بشأن حدود الزينة المسموح بها شرعًا عند الخروج، خاصة في ظل التنوع الكبير في أدوات التجميل، واختلاف الأعراف بين المجتمعات، ما يفرض ضرورة وجود فتوى شرعية مبنية على ضوابط واضحة تراعي النصوص الفقهية والواقع المعاصر معًا.
في أحد البرامج التلفزيونية الدينية التي تُبث بالتعاون مع دار الإفتاء المصرية، ورد سؤال لسيدة تقول: "هل يجوز لي أن أضع كحلًا أزرق أو أخضر عند الخروج من البيت؟ وهل يُعتبر ذلك تبرجًا؟"
وجاء الرد من أمين الفتوى بالدار على النحو التالي:
"الكحل في ذاته ليس حرامًا، بل هو من أنواع الزينة المباحة، سواء للرجال أو النساء، وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على استعمال الكحل وتفضيله لبعض الأنواع كالإثمد. لكن في حالة المرأة، فإن وضع الكحل داخل البيت مباح تمامًا، أما خارجه فيجوز بشرط ألا يكون ملفتًا أو مثيرًا أو يلفت النظر بقصد الإغراء."
وأكد أمين الفتوى أن الكحل الأزرق أو الأخضر في ذاته ليس حرامًا، لكن الحكم يتوقف على الهيئة والمقصد والمكان، مشيرًا إلى أن الإسلام لا يُحرّم الزينة على إطلاقها، لكنه يُنظّمها ويضع لها ضوابط تراعي الحياء والاحترام.
وبالتالي، فإن الكحل في ذاته مباح شرعًا للرجال والنساء، خاصة إذا استُخدم لأغراض علاجية أو تجميلية داخل حدود الآداب العامة.
لكن الفقهاء فرقوا بين استخدام المرأة للكحل داخل بيتها، حيث يُباح لها الزينة كاملة أمام الزوج، وبين استخدامه خارج البيت، حيث تخضع الزينة لحكم إظهار الزينة أمام الأجانب.
الوجه والكفين في حالات الضرورة.
ما لا يُعد زينة في عرف الناس.
الزينة الطبيعية غير المتعمدة أو التي يصعب إخفاؤها.
أما الكحل والمكياج، فقد ذهب بعض العلماء إلى أنه زينة متعمدة تجب تغطيتها إذا كانت تُلفت النظر أو تُثير الفتنة، بينما قال آخرون إن المعيار هو القصد والتأثير وليس مجرد اللون أو الشكل.
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن وضع المرأة للكحل، سواء الأسود أو الأزرق أو الأخضر، يجوز بشروط، منها:
ألا يكون الكحل لافتًا أو ملفتًا بطريقة فاضحة.
ألا يكون القصد من وضعه التجميل أمام الرجال الأجانب.
ألا يُصاحب الكحل ألوان مكياج أخرى تُغيّر هيئة الوجه بشكل مبالغ فيه.
أن تلتزم المرأة بالحشمة والوقار العام في ملبسها ومظهرها.
أن لا يكون الكحل مُستخدمًا ضمن ما يُعرف بـ"مكياج كامل" يخرج عن حدود الزينة المقبولة.
وفي هذه الحالة، يُعد الكحل مجرد زينة خفيفة لا تُثير الفتنة، وبالتالي لا حرج شرعي منها وفق الرأي المُعتدل.
من خلال استعراض كتب الفقه، يتبين أن المذاهب الأربعة لم تُحرّم الكحل على المرأة مطلقًا، لكنها اشترطت:
عدم الإغراء أو الظهور أمام الرجال الأجانب بهيئة مثيرة.
أن يكون استخدامه ضمن حدود العرف المقبول في المجتمع المسلم.
ألا يُؤدي إلى تحقير المرأة أو التقليل من حيائها.
وقد ذهب الشيخ يوسف القرضاوي – في كتابه “الحلال والحرام في الإسلام” – إلى أن الزينة الخفيفة مثل الكحل مباحة إذا لم تُقصد بها الفتنة أو إثارة النظر.
في السنوات الأخيرة، تكررت الفتاوى حول ما يُسمى بـ"المكياج الشرعي"، حيث تسأل العديد من النساء عن حدود استخدام مستحضرات التجميل خارج البيت، وسط تباين في الآراء:
فريق يُشدد ويعتبر أي زينة ظاهرة أمام الرجال الأجانب حرامًا ومُخلة بالحشمة.
فريق آخر يتبنى رأيًا وسطًا يرى أن الزينة المقبولة غير المثيرة لا بأس بها.
فريق ثالث يربط الأمر بعرف المجتمع ومقاصد الشريعة في الحياء وعدم لفت الأنظار.
وبالتالي، فإن الجدل يظل قائمًا ما لم يتم ضبط الفتوى بالسياق، والمكان، والمظهر، والنية.
فتوى دار الإفتاء الأخيرة جاءت لتُوضح الأمور وتُزيل اللبس، خاصة بين الفتيات اللاتي يرغبن في ممارسة حياتهن اليومية مع الالتزام بالتعاليم الدينية.
وقد أيدتها بعض الأصوات النسائية باعتبارها فتوى واقعية تراعي تطورات العصر، في حين انتقدها آخرون بدعوى أنها تفتح الباب للتوسع في الزينة أمام الغرباء.
لكن الواقع يشير إلى أن كثيرًا من الفتيات يُقدّرن الفتوى التي توازن بين الدين والحياة، بشرط وجود نية صادقة لعدم التبرج أو الإغواء.
اختتم أمين الفتوى تصريحاته بنصيحة وجهها للفتيات قائلًا:
"كل امرأة تُحاسب على نيتها، لكن هناك حدود عامة يجب الالتزام بها. فالزينة ليست حرامًا في ذاتها، إنما تُمنع إذا أفضت إلى فتنة أو خلل في السلوك العام. وعلى كل فتاة أن تُقدّر موضعها، ومظهرها، ونظرة الناس إليها، وتتذكّر أنها صورة للإسلام الحيّ في حياتنا المعاصرة."
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt