أثار عدد من العلماء والباحثين في علوم الفضاء والطب النفسي الجدل مؤخرًا، بعدما حذروا من أن فكرة الاستيطان على كوكب المريخ، والتي طالما اعتبرت حلماً علمياً واعداً، قد تتحول إلى "كابوس نفسي" يماثل تجربة العيش داخل سجن انفرادي. هذا التحذير يأتي في ظل تصاعد الاهتمام الدولي بمشروعات السفر للمريخ، وسباق التقدم الفضائي الذي تتصدره وكالات مثل "ناسا" و"سبيس إكس".
أوضح الخبراء أن العيش في بيئة مغلقة ومعزولة تمامًا عن الأرض، داخل مستعمرة صغيرة أو محطة فضائية، مع انعدام التنوع في الأماكن، وقلة المحفزات الاجتماعية والبصرية، يمكن أن يؤدي إلى أعراض نفسية شبيهة بما يشعر به المسجونون في الحبس الانفرادي.
وفقًا لما نشرته مجلة "ساينتيفك أمريكان"، فإن رواد الفضاء الذين سيعيشون على سطح المريخ سيواجهون عزلة تامة، وصعوبات في التواصل المباشر، مما قد يؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية والعاطفية. وسيكون عليهم أيضًا التكيف مع جاذبية أقل، وظروف جوية شديدة القسوة، وبيئة مغلقة بالكامل بدون إمكانية للهروب أو الترفيه.
تشير الأبحاث النفسية الحديثة إلى أن الأشخاص الذين يخضعون لعزلة طويلة في بيئات صناعية (مثل الغواصات أو المحطات القطبية أو مهمات الفضاء التجريبية) يعانون من مجموعة من الاضطرابات النفسية مثل:
التوتر والقلق المزمن
الاكتئاب وفقدان الحافز
اضطرابات النوم
ضعف التركيز والانتباه
نوبات من نكران الواقع أو الانفصال العقلي
وهذه الأعراض مرشحة للظهور بشكل أقوى على المريخ، خاصة أن الرحلة إلى الكوكب تستغرق عدة أشهر، والبقاء هناك قد يستمر لسنوات دون عودة فورية ممكنة.
رغم المحاولات الحثيثة لتهيئة بيئة قابلة للحياة على المريخ، إلا أن طبيعة الكوكب لا تزال غير صديقة للبشر. من أبرز التحديات التي تواجه أي مشروع سكن دائم:
درجة الحرارة المتدنية جدًا، والتي تصل إلى -60 درجة مئوية في المتوسط.
الغلاف الجوي الرقيق للغاية، الذي لا يحتوي على الأكسجين القابل للتنفس.
الإشعاعات الشمسية والكونية التي تضرب سطح الكوكب، والتي لا يوجد غلاف جوي كافٍ لحجبها.
العواصف الترابية الضخمة التي قد تستمر لأسابيع وتحجب ضوء الشمس.
نقص الموارد الأساسية، مما يضطر السكان إلى الاعتماد الكلي على الدعم من الأرض أو إعادة التدوير الذاتي.
أدلى عدد من رواد الفضاء الذين خاضوا تجارب طويلة في المحطة الفضائية الدولية بتصريحات مهمة حول الآثار النفسية للعيش في الفضاء. ومن بينهم الرائد الكندي "كريس هادفيلد"، الذي أشار إلى أن أهم مهارة يجب أن يمتلكها أي رائد فضاء هو القدرة على التكيف النفسي، والقدرة على التعامل مع الوحدة والعزلة.
يرى العلماء أن الاستعداد النفسي لرحلة طويلة إلى المريخ يجب أن يكون بنفس أهمية التدريب البدني والعلمي. ويقترحون ما يلي:
إجراء تدريبات نفسية طويلة المدى في بيئات مشابهة، مثل محطات قطبية أو محاكاة مختبرية.
دراسة نماذج العزلة السابقة مثل الغواصات وسجون الأمن المشدد.
الاعتماد على دعم نفسي مباشر عبر الاتصالات الأرضية.
تطوير برامج ترفيهية ونفسية تحافظ على التوازن العقلي للرواد.
لا يستبعد الخبراء إمكانية التغلب على هذه الصعوبات في المستقبل، لا سيما مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات والمساعدة النفسية عن بعد. ولكنهم يشددون على ضرورة التعامل مع موضوع الحياة على المريخ بواقعية وليس فقط كحلم علمي أو مشروع تسويقي.
التجهيز النفسي والتكنولوجي يجب أن يسير بالتوازي معًا، لأن أي خلل في أحدهما قد يؤدي إلى فشل المهمة بشكل مأساوي.
في ضوء هذا التحذير، يجب إعادة النظر في التصورات الرومانسية حول "الهروب إلى المريخ" أو تحويله إلى "كوكب بديل" للأرض. فالمريخ لا يزال حتى الآن بيئة غير قابلة للحياة الطبيعية، وأي وجود بشري فيه سيظل محصورًا ضمن ظروف قاسية تتطلب استعدادًا نفسيًا وبدنيًا فائقًا.
وبالتالي، فإن الحياة على المريخ قد تكون ممكنة من الناحية التقنية، ولكنها ستظل في الوقت نفسه محاطة بقيود نفسية وعاطفية شديدة الشبه بالحياة داخل سجن، مما يجعل هذا الحلم تحديًا كبيرًا للبشرية.
أول رحلة مأهولة إلى المريخ من المتوقع أن تنطلق ما بين عامي 2030 و2040.
تكلفة المشروع المبدئي لاستيطان أول 100 شخص على سطح المريخ تتخطى 100 مليار دولار.
وكالة الفضاء الأوروبية تتعاون حاليًا مع "ناسا" و"سبيس إكس" لتطوير تقنيات المعيشة على الكوكب الأحمر.
إذا أردت تحويل هذا الموضوع إلى تصميم إنفوجرافيك أو بوست توعوي للسوشيال ميديا، يسعدني مساعدتك.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt