في خطوة جديدة نحو معالجة واحدة من أكثر الملفات الاجتماعية والاقتصادية جدلاً في مصر، أعلنت الحكومة أنها تسعى إلى تحديد حد أدنى للأجرة في وحدات الإيجار القديم خلال المرحلة الانتقالية، بما يحقق التوازن بين مصلحة المالك والمستأجر. ويأتي هذا التحرك في إطار خطة شاملة لإعادة تنظيم العلاقة بين الطرفين بعد سنوات طويلة من الجدل والانتقادات حول قانون الإيجارات القديمة الذي ظل مطبقًا لعقود طويلة.
هذا الإعلان أثار نقاشًا واسعًا في الشارع المصري، خاصة أن قضية الإيجار القديم تمس ملايين الأسر، سواء من جانب الملاك الذين يرون أن أجرة الوحدات لا تتناسب مع قيمتها السوقية، أو من جانب المستأجرين الذين يخشون من تحمل أعباء إضافية قد تفوق قدرتهم المالية.
قانون الإيجار القديم يُعتبر واحدًا من أقدم التشريعات العقارية في مصر، حيث يعود تاريخه إلى أربعينيات القرن الماضي وتم تعديله أكثر من مرة خلال فترات مختلفة. الهدف الأساسي منه كان حماية المستأجرين من ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل مبالغ فيه، خصوصًا في ظل الأزمات الاقتصادية التي مرت بها البلاد.
لكن مع مرور الوقت، أصبح هذا القانون محل انتقادات كثيرة:
الملاك يشكون من تدني قيمة الإيجار الذي لا يكفي حتى لصيانة المبنى.
المستأجرون يرون أن القانون منحهم استقرارًا سكنيًا لسنوات طويلة.
الدولة أصبحت مطالبة بإيجاد حل وسط يوازن بين الطرفين.
المقصود بالمرحلة الانتقالية هو الفترة الزمنية التي تحددها الحكومة لتطبيق تعديلات تدريجية على قانون الإيجار القديم. وخلال هذه الفترة:
يتم وضع حد أدنى للأجرة الشهرية.
قد تُمنح المستأجرين فترات سماح أو دعم لتخفيف الأعباء.
يتم إعداد آلية لإعادة تقييم الإيجارات وفقًا لمعايير عادلة.
بمعنى آخر، المرحلة الانتقالية تعتبر "فترة توازن" قبل الوصول إلى التطبيق الكامل للنظام الجديد.
تحديد حد أدنى للأجرة يُعتبر خطوة جوهرية في إصلاح ملف الإيجار القديم، وذلك لعدة أسباب:
تحقيق العدالة للمالكين: كثير من الملاك يتقاضون مبالغ زهيدة لا تتجاوز 10 أو 20 جنيهًا شهريًا، وهو مبلغ لا يتناسب مع قيمة العقارات اليوم.
الحفاظ على حق المستأجر: في الوقت نفسه، لا يتم فرض زيادات مفاجئة أو غير مدروسة ترهق المستأجرين.
توفير موارد لصيانة العقارات: الأجرة الجديدة قد تُستخدم في أعمال الصيانة، مما يحافظ على المباني ويطيل عمرها.
تنشيط السوق العقاري: رفع الأجرة تدريجيًا قد يشجع على استثمار أفضل في قطاع الإسكان.
الحكومة لم تُعلن بعد عن الصيغة النهائية لتحديد الحد الأدنى، لكن هناك عدة سيناريوهات محتملة:
السيناريو الأول: تحديد نسبة مئوية من القيمة السوقية للعقار كإيجار شهري.
السيناريو الثاني: وضع مبلغ مقطوع كحد أدنى للأجرة حسب المنطقة (مثلاً: 300 جنيه للوحدات في الأحياء الشعبية، 600 جنيه في الأحياء المتوسطة، 1000 جنيه في الأحياء الراقية).
السيناريو الثالث: التدرج في الزيادة عبر سنوات المرحلة الانتقالية (مثلًا: زيادة 15% سنويًا حتى الوصول للقيمة المطلوبة).
لم يمر الإعلان الحكومي مرور الكرام، بل أثار ردود فعل متباينة:
الملاك: معظمهم رحب بالفكرة معتبرين أنها خطوة في الاتجاه الصحيح بعد سنوات من "الظلم".
المستأجرون: عبر كثيرون عن قلقهم من زيادة الأعباء الشهرية خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
الخبراء الاقتصاديون: شددوا على ضرورة أن تكون الزيادات تدريجية ومدروسة، وألا تُطبق بشكل مفاجئ.
من المنتظر أن يناقش البرلمان هذه الخطوة في جلساته المقبلة، إذ يجب أن تصدر التعديلات عبر تشريع جديد أو تعديل القانون الحالي. وبحسب مصادر مطلعة، هناك لجان مشتركة ستدرس الأمر من كافة الجوانب القانونية والاجتماعية.
ملف الإيجار القديم لا يتعلق فقط بالجوانب الاقتصادية، بل له أبعاد اجتماعية عميقة:
هناك أسر كاملة تعيش في شقق بالإيجار القديم منذ عقود.
بعض المستأجرين من ذوي الدخل المحدود أو كبار السن.
تغيير الأجرة قد يؤثر بشكل مباشر على استقرار هذه الأسر.
لذلك تؤكد الحكومة أنها ستضع آليات لدعم الفئات غير القادرة خلال المرحلة الانتقالية.
حالة (أ): مستأجر يدفع 15 جنيهًا شهريًا في شقة بمنطقة حيوية، بينما القيمة السوقية للإيجار في نفس المنطقة تتجاوز 5000 جنيه.
حالة (ب): مالك يملك عمارة كاملة لكنه لا يحصل من جميع الوحدات سوى 500 جنيه شهريًا، وهو مبلغ لا يكفي حتى لصيانة المصعد.
هذه الأمثلة توضح حجم الفجوة التي تحاول الحكومة معالجتها.
الكثير من الدول مرت بمشاكل مشابهة، مثل:
الهند: طبقت نظامًا تدريجيًا لرفع الإيجارات مع تقديم دعم للفقراء.
فرنسا: وضعت قوانين تحدد الحد الأدنى والأقصى للإيجار وفقًا للمنطقة.
المغرب: أجرت إصلاحات تدريجية مع الحفاظ على التوازن الاجتماعي.
هذه التجارب يمكن أن تكون مرجعًا مهمًا لصانعي القرار في مصر.
من المتوقع أنه بعد انتهاء المرحلة الانتقالية:
يتم تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر بشكل كامل.
يصبح تحديد الأجرة مسألة اتفاق مباشر بين الطرفين.
يختفي تدريجيًا النظام القديم الذي تسبب في الكثير من النزاعات.
مقاومة بعض المستأجرين للتغييرات.
صعوبة تقييم القيمة الحقيقية لبعض العقارات القديمة.
الحاجة إلى حملات توعية لشرح الإجراءات الجديدة.
احتمالية زيادة القضايا في المحاكم إذا لم تُطبق القوانين بمرونة.
إنشاء صندوق دعم للمستأجرين محدودي الدخل.
تقديم قروض ميسرة للمالكين لإعادة تأهيل وصيانة العقارات.
توفير وحدات بديلة للفئات الأضعف في المجتمع.
وضع خطة إعلامية لتوضيح أهداف القانون الجديد.
وبينما يتابع الملايين تفاصيل هذا الملف باهتمام، تبقى الكلمة الأخيرة للتشريع القادم وكيفية تطبيقه على أرض الواقع، بما يضمن الاستقرار والسكن الكريم لكل المصريين.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt