تجلب غضب الله.. الإفتاء ترد على دعوى المساواة المطلقة في الميراث
مقدمة جدلية تتكرر كل عام
مع كل دعوة جديدة لإعادة النظر في أحكام المواريث الإسلامية، تُثار حالة من الجدل المجتمعي والديني، وتخرج الأصوات التي تنادي بالمساواة المطلقة بين الذكر والأنثى، في توزيع التركة،
بدعوى "تحقيق العدالة" أو "مواكبة التطور"، وهو ما استدعى ردًا حازمًا من دار الإفتاء المصرية، أوضحت فيه أن مثل هذه المطالب تجلب غضب الله وتُعد مخالفة صريحة لثوابت الشريعة الإسلامية.

نصوص قطعية لا تحتمل التأويل
أكدت دار الإفتاء أن أحكام الميراث من القطعيات التي ثبتت بنصوص قطعية الثبوت والدلالة، مشيرة إلى أن هذه الأحكام نزلت بتفصيل دقيق في كتاب الله، وليس مجرد إشارات أو عمومات.
قال تعالى:
"يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين..." [النساء: 11]
وهذا النص قطعي، لا يحتمل التأويل، ولا يُقبل فيه الاجتهاد أو التغيير أو التعديل مهما كانت المبررات.
الفرق بين التبرع الفردي وتشريع المساواة
ردت الإفتاء على الدعوى التي تقول إن الفرد يمكنه "التطوع" بالمساواة في الميراث، فقالت إن التبرع الفردي شيء، والتشريع العام شيء آخر تمامًا.
فإذا قرر شخص أن يهب ماله لأبنائه وبناته بالتساوي، بعد وفاته أو في حياته، فذلك يدخل في إطار التبرع أو الهبة، ولا مانع منه شرعًا، طالما لم يُسقط بذلك حقًا من حقوق الله أو العباد.
أما الدعوة إلى تحويل هذا الفعل الفردي إلى قانون عام يُلزم الجميع، فهذا ما لا يجوز شرعًا ولا عقلاً، لأن فيه نسفًا لأحد أركان الشريعة الإسلامية وتحويلًا لما فرضه الله إلى مجرد خيار اجتماعي.
الشريعة ليست محل تصويت
شددت دار الإفتاء على أن الأحكام الشرعية التوقيفية ليست خاضعة للرأي العام أو التصويت، ولا يُمكن أن تكون موضعًا لـ "استفتاء شعبي".
فالقول بأن المجتمع من حقه أن يقرر مصير ما أنزله الله، يُعد طعنًا في ثوابت الدين، ويفتح بابًا خطيرًا لمراجعة كل أحكام الإسلام تحت ذريعة "تطور الزمن" أو "رغبة الناس".
فقه الميراث قائم على العدل وليس التفرقة
أوضحت الإفتاء أن التمييز بين الذكر والأنثى في بعض حالات الميراث لا علاقة له بالظلم أو الانتقاص من قيمة المرأة، بل هو جزء من منظومة عادلة متكاملة، تحكمها معايير متعددة، منها:
-
حجم المسئوليات المالية
-
الالتزامات الشرعية للرجل تجاه الأسرة
-
طبيعة النفقة الشرعية الواجبة
وأكدت الدار أن هناك حالات كثيرة ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، وأحيانًا ترث ولا يرث الرجل، وهو ما يرد على من يدّعي أن نظام الميراث مبني فقط على التفضيل الذكوري.
تحذير من العبث بالثوابت
في لهجة صارمة، قالت دار الإفتاء إن الدعوة للمساواة المطلقة في الميراث ليست دعوة بريئة أو بسيطة، بل تُعد محاولة لهدم واحدة من أركان التشريع الإسلامي.
وأكدت أن إلغاء الفارق بين الذكر والأنثى في الميراث يؤدي إلى إبطال نص شرعي صريح، ويعد تجاوزًا لما أمر الله به، مما قد يجلب سخط الله وغضبه.
التأويل الفاسد وأثره في إضعاف الدين
أشارت دار الإفتاء إلى أن من يُحاول إعادة تفسير النصوص القرآنية ليُوافق بها أهواء المجتمع أو الضغوط الغربية، يقع في فخ التأويل الباطل، وهو باب قديم استخدمته فرق ضالة لطعن الشريعة تحت ستار "الاجتهاد".
وقالت إن من يحتكم لعقله وحده دون الرجوع للنصوص، يتجرأ على أمر خطير، لأنه يجعل من نفسه مشرعًا مع الله، في حين أن الشريعة حددت بشكل قاطع أن مصدر التشريع هو القرآن والسنة، وما أجمع عليه علماء الأمة.
المؤسسات الدينية موحدة في الموقف
لم تكن دار الإفتاء وحدها في هذا الموقف، بل أيّدها الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء، وجميعهم رفضوا أي دعوة لتغيير أحكام المواريث.
وأكدت المؤسسات الدينية أن إثارة هذا النوع من القضايا يُعد تشويشًا متعمدًا على عقيدة المسلمين، ويُراد به دفع الناس تدريجيًا للتشكيك في الدين، بدءًا من الأحكام، ثم العقائد.
تحويل الهبة إلى قانون.. ظلم مغلف بشعار العدالة
أوضحت دار الإفتاء أن بعض الداعين للمساواة في الميراث يبررون طلبهم بالقول إن "من العدل أن يرث الجميع بالتساوي".
لكن الفقه الإسلامي يُفرّق بين العدالة والمساواة المطلقة، لأن العدالة تعني إعطاء كل ذي حق حقه بحسب ظرفه وحاجته ودوره.
فالمساواة الظاهرة قد تُخفي ظلمًا عظيمًا، مثل إرغام رجل على التنازل عن جزء من نصيبه لصالح أخته تحت ضغط القانون، دون أن يكون له ذنب أو اختيار.
رسائل الإفتاء إلى المجتمع
في ختام ردها، وجّهت دار الإفتاء ثلاث رسائل واضحة:
-
إلى الداعين لتغيير الأحكام: عودوا إلى النصوص، وفهم الشريعة، قبل أن تفتحوا أبوابًا لا تُغلق، وكونوا أمناء لا مقلدين لأفكار مستوردة.
-
إلى الإعلام: لا تُروّجوا لهذه القضايا بحجة "النقاش المفتوح"، فهناك ثوابت لا يجوز تحويلها إلى مادة للجدال.
-
إلى المشرعين: حافظوا على هوية هذا البلد الدينية، واثبتوا على ما أجمعت عليه الأمة، ولا تفتحوا الباب لسنّ قوانين تخالف النص القرآني.