تشهد مصر والعالم الإسلامي خلال الأيام القليلة المقبلة حدثًا دينيًا وعلميًا مهمًا، حيث تستطلع دار الإفتاء المصرية هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريًا يوم السبت الموافق 23 أغسطس. وتُعد هذه المناسبة من المحطات البارزة التي ينتظرها المسلمون سنويًا، ليس فقط لتحديد بدايات الشهور الهجرية وضبط المواقيت الشرعية، بل أيضًا لأنها مرتبطة بأحد أهم المناسبات الدينية في وجدان الأمة الإسلامية، وهي ذكرى المولد النبوي الشريف.
الهلال يُعد العلامة الشرعية لابتداء الشهور الهجرية، وهو أساس التقويم الإسلامي الذي تقوم عليه الكثير من العبادات والشعائر:
شهر رمضان يبدأ برؤية الهلال.
عيد الفطر مرتبط بثبوت شوال.
عيد الأضحى مرتبط بدخول شهر ذي الحجة.
كذلك ذكرى المولد النبوي الشريف تأتي مع حلول الثاني عشر من ربيع الأول.
لذلك فإن إعلان دار الإفتاء ثبوت الهلال أو عدمه لا يعتبر مجرد خبر فلكي، بل هو حدث له دلالة دينية واجتماعية واقتصادية.
دار الإفتاء المصرية هي الجهة الرسمية المنوطة بإعلان بدايات الشهور الهجرية في مصر.
تُشكل لجان شرعية وفلكية تتوزع على أنحاء الجمهورية.
تضم هذه اللجان علماء دين، وخبراء فلك، ومتخصصين في الرصد.
يتم الإعلان الرسمي من خلال مؤتمر صحفي يعقده مفتي الديار المصرية مساء يوم الرؤية.
ويُبث هذا المؤتمر مباشرة عبر القنوات الفضائية وصفحات دار الإفتاء الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يترقبه ملايين المصريين في الداخل والخارج.
عملية رصد الهلال لم تعد تعتمد فقط على العين المجردة كما كان في السابق، بل أصبحت تجمع بين:
الرؤية البصرية المباشرة عبر المراصد الفلكية والتلسكوبات الدقيقة.
الحسابات الفلكية التي تحدد موقع الهلال، وزاوية مكثه، ومدة بقائه بعد غروب الشمس.
المقارنة بين الحساب والرؤية لضمان الدقة وعدم التعارض.
وهذا الدمج بين العلم والدين يرسخ الثقة في نتائج الرؤية ويمنع التضارب بين الدول الإسلامية.
شهر ربيع الأول من الشهور التي تحمل مكانة خاصة لدى المسلمين، إذ شهد ميلاد خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ.
يحتفل المسلمون حول العالم بذكرى المولد النبوي بطرق متعددة: أناشيد، حلقات ذكر، محاضرات دينية، وأعمال خيرية.
في مصر، تُعرف الاحتفالات بطابعها الشعبي، مثل حلاوة المولد وموالد الطرق الصوفية.
كما تخصص المساجد الكبرى دروسًا وخطبًا عن السيرة النبوية وأهمية الاقتداء بالرسول.
كل عام يتجدد النقاش:
فريق يرى أن الاحتفال بالمولد بدعة غير واردة عن السلف.
فريق آخر يعتبره تعبيرًا مشروعًا عن المحبة لرسول الله، إذا خلا من المخالفات الشرعية.
دار الإفتاء المصرية تميل إلى الرأي الثاني، حيث تؤكد أن إحياء ذكرى المولد بوسائل مباحة يُعد من القُربات.
استطلاع الهلال لا يقتصر أثره على الجانب الديني، بل يمتد ليؤثر في المجتمع والاقتصاد:
الإجازات الرسمية ترتبط بثبوت المولد النبوي.
الأسواق التجارية تشهد رواجًا كبيرًا في هذه الفترة، خصوصًا في بيع حلوى المولد.
المناسبات الأسرية تُحدد بناءً على معرفة مواعيد الإجازات.
دار الإفتاء المصرية لا تعمل بمعزل عن العالم الإسلامي:
هناك تعاون بين المراصد الفلكية العربية مثل السعودية، الإمارات، الأردن، المغرب.
منظمة التعاون الإسلامي تعمل على تقريب مواعيد الإعلان لمنع تضارب بدايات الشهور.
ورغم ذلك، يبقى هناك تباين في بعض الأحيان بسبب اختلاف المطالع الجغرافية.
وفقًا للحسابات الفلكية الأولية:
سيولد الهلال في مساء يوم الجمعة 22 أغسطس.
يُتوقع أن يكون مكث الهلال قصيرًا بعد غروب الشمس في بعض الدول.
لذا، قد تُعلن بعض الدول السبت 23 أغسطس هو المتمم لشهر صفر، بينما تعلن أخرى دخول ربيع الأول.
دار الإفتاء ستعلن القرار النهائي بناءً على ما تثبته اللجان الشرعية مساء السبت.
الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في متابعة استطلاع الهلال:
القنوات الفضائية تبث المؤتمر مباشرة.
المواقع الإخبارية تنشر القرارات فور صدورها.
وسائل التواصل الاجتماعي تنقل الأخبار لحظة بلحظة.
وهذا يعكس أهمية الهلال في حياة المسلمين، حيث ينتظرون الكلمة الرسمية من المفتي لتحديد شعائرهم.
قبل إعلان الهلال، تبدأ الاستعدادات في الشارع المصري:
المحال التجارية تعرض حلوى المولد.
الأسر تخطط لكيفية قضاء الإجازة.
المساجد تجهز دروسًا ومحاضرات عن السيرة النبوية.
استطلاع الهلال يجسد التكامل بين العلم الحديث والتراث الديني:
الفلك يقدم بيانات دقيقة.
الشريعة تحدد الضوابط الشرعية للرؤية.
الجمع بينهما يُظهر مرونة الإسلام واستيعابه للتطور العلمي.
إعلان دار الإفتاء المصرية عن استطلاع هلال ربيع الأول يوم السبت 23 أغسطس 2025، ليس مجرد حدث فلكي، بل هو مناسبة دينية واجتماعية لها تأثير عميق على المجتمع المصري والعالم الإسلامي.
فمن جهة، يُحدد هذا الاستطلاع موعد ذكرى المولد النبوي الشريف، ومن جهة أخرى، يُعيد التأكيد على أهمية العلم في خدمة الدين، وعلى الدور المحوري الذي تلعبه دار الإفتاء في الحفاظ على وحدة الصف وإعلان المواعيد الشرعية.
وفي النهاية، يبقى الأمل أن تكون هذه المناسبة فرصة لتعزيز قيم المحبة والسلام والاقتداء برسول الله ﷺ، وأن تظل ذكرى مولده منارة تهدي القلوب في زمن كثرت فيه التحديات.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt