في مشهد جديد من مشاهد الجدل الإلكتروني الذي تشهده منصات التواصل الاجتماعي في مصر، تصدرت أسماء شهيرة مثل "أم مكة" و"أم سجدة" تريندات تويتر وفيسبوك وتيك توك، وذلك بعد ظهور تسريبات تتعلق بأعمار الحقيقتين لهما، وهو ما فجر موجة من الانتقادات والسخرية والمفاجآت، خاصة أن الشخصيتين ترتبطان بمحتوى ديني – اجتماعي له طابع التوجيه والنصيحة، ما جعل المتابعين يشعرون بنوع من "الازدواجية" بين المظهر والواقع، على حد وصفهم.
الجدل لم يكن فقط حول العمر الحقيقي، بل طال أسئلة أخرى حول الصدق، والتمثيل، وأهداف المحتوى، ومدى تأثير هذا النوع من البلوجرز على فئات واسعة من المستخدمين، خصوصًا السيدات والفتيات.
أم مكة وأم سجدة هما اسمين مستعارين لبلوجرز مصريات، لمع نجمهما خلال العامين الماضيين عبر تيك توك ويوتيوب وفيسبوك، وحققا شهرة واسعة من خلال:
فيديوهات نصائح أسرية ودينية
عرض يوميات بشكل محافظ
تقديم محتوى يُوصف بأنه "ملتزم"
مناقشة قضايا اجتماعية من وجهة نظر دينية
وقد حازتا على ثقة عدد كبير من المتابعين، خاصة في الأوساط المحافظة، حيث قدمتا نفسيهما كأمهات صغيرات ملتزمات وذوات تجربة أسرية يُحتذى بها.
تداول رواد مواقع التواصل تسريبات – لم يُحدد مصدرها بدقة – تشير إلى أن:
أم مكة تبلغ من العمر 42 عامًا، وليس كما كانت توحي بأنها في أواخر العشرينات
أم سجدة تقترب من الأربعين، رغم تأكيدها الدائم بأنها تزوجت في سن صغيرة وعمرها الآن في منتصف العشرينات
وقد رافق هذه التسريبات صورًا وبطاقات تعريف مزعومة، قيل إنها تعود لهما، ما أثار موجة من الشكوك والانقسام بين المتابعين.
انقسم المتابعون حول هذه التسريبات إلى عدة أطراف:
فئة عبّرت عن دهشتها وخيبة أملها، متهمين البلوجرز بأنهن يقدمن صورة غير حقيقية
فئة أخرى اعتبرت أن العمر لا يقلل من قيمة المحتوى، وأن الأهم هو ما يُقدم من أفكار
فريق ثالث رأى أن القضية ليست في العمر، بل في نية إخفاء الحقيقة وتوظيف صورة زائفة للتأثير
وقد امتلأت منصات السوشيال ميديا بآلاف التعليقات الساخرة والجادة، حتى وصل الأمر إلى إنتاج فيديوهات تحليلية تتناول سلوك البلوجرز مقارنة بالمعلومات المسربة.
أعاد هذا الجدل فتح النقاش حول مدى صدق ومصداقية صناع المحتوى، خاصة من يتخذون طابعًا دينيًا أو توجيهيًا، إذ يرى كثيرون أن:
المحتوى الديني والاجتماعي له قدسية خاصة
يجب أن يتسم صاحبه بالشفافية والاتساق بين ما يقوله وما يعيشه
إخفاء الحقائق الشخصية مثل العمر يُعد نوعًا من التمثيل
بينما يرى آخرون أن المحتوى الشخصي ليس مُلزمًا بالكشف عن كل التفاصيل، وأن التركيز يجب أن يكون على مضمون الرسالة لا على تفاصيل الهوية.
زاد من حدة الجدل قيام بعض المتابعين بنبش مقاطع قديمة للبلوجرز تتضمن:
إشارات إلى أعمار صغيرة جدًا وقت الزواج والإنجاب
حديث عن بدايات الحياة الزوجية في عمر 19 سنة
قصص مرتبطة بتجارب تبدو "حديثة العهد" ومبنية على سن صغير
وهو ما جعل التسريبات الأخيرة تصطدم بصورة تم بناؤها على مدى أشهر وسنوات، ما أعطى إحساسًا بالـ "خداع" لدى بعض المتابعين.
يرى مختصون في علم الاجتماع أن اهتمام الناس بأعمار البلوجرز يعكس:
التعلق بصورة "المثل الأعلى" التي تُروّج لها الشخصيات العامة
ارتباط الجمهور عاطفيًا بالشخصيات المؤثرة في حياتهم
شعور بالخداع عندما تتضح تناقضات بين الصورة العامة والحقائق الشخصية
الميل إلى "تفكيك" الرموز المؤثرة عند الشعور بأنها غير حقيقية
كما أن منصات التواصل أصبحت تمثل مساحات رقابة شعبية غير منظمة، تُحاسب المؤثرين على كل تصريح أو تفصيل.
جانب آخر من النقد الموجه إلى أم مكة وأم سجدة هو توظيف صورة "الزوجة الشابة المتدينة" في التربح، حيث يشير البعض إلى:
حملات إعلانية لمستحضرات ومنتجات
ترويج دورات تدريبية للأمهات الجدد
استغلال التأثير العاطفي لتحقيق مكاسب مادية
ويقول المنتقدون إن هذا التوظيف يُصبح غير أخلاقي إذا كان مبنيًا على معلومات غير صحيحة أو مبالغ فيها.
من الناحية القانونية: لا يوجد ما يُلزم صانع المحتوى بالكشف عن عمره
من الناحية الأخلاقية: طالما أن العمر جزء من سرد قصة تؤثر على الجمهور، فإن الصدق يُعد واجبًا
من الناحية المهنية: قد يؤثر الكشف أو الإخفاء على المصداقية والثقة
وبالتالي فإن المسألة تدور حول طبيعة المحتوى نفسه، ومدى اعتماده على تقديم صورة متطابقة مع الواقع أم لا.
رغم تصاعد الجدل، لم يصدر أي بيان رسمي أو رد مباشر من أم مكة أو أم سجدة، وهو ما أثار استغراب المتابعين، حيث اعتادوا تفاعلهما السريع مع التعليقات.
السكوت فُسر من البعض على أنه تأكيد للتسريبات، فيما اعتبره آخرون محاولة لتجاوز العاصفة دون تأجيجها.
ومع غياب التوضيح، يزداد التفاعل ويتوسع النقاش، ما قد يؤثر بشكل دائم على صورة البلوجرز في المستقبل القريب.
من المرجح أن يكون لهذه التسريبات آثار طويلة المدى على:
مستوى الثقة في المحتوى الديني أو الاجتماعي المقدم عبر الإنترنت
توجه المتابعين نحو "فلترة" المحتوى وعدم الاعتماد عليه كليًا
تعزيز الدعوات لضرورة وجود معايير مهنية وأخلاقية لصناع المحتوى
احتمال ظهور محتوى "رد فعل" من الطرفين لتوضيح أو الدفاع عن الذات
وقد تستمر هذه الأزمة لبعض الوقت، حتى يتضح موقف البلوجرز وتوجه المتابعين تجاههما في المرحلة القادمة.
تكشف أزمة "أعمار أم مكة وأم سجدة" عن مدى قوة وتأثير الشخصيات الرقمية، ومدى تعلق الجمهور بالتفاصيل التي قد تبدو بسيطة، مثل العمر أو الخلفية.
لكن الأهم من ذلك، هو الرسالة التي يجب أن يستوعبها صناع المحتوى: أن الصدق والشفافية، حتى في الأمور الشخصية، جزء لا يتجزأ من التأثير الحقيقي.
فالثقة، حين تُفقد، لا تُسترد بسهولة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمن يقدمون أنفسهم كمصدر للإلهام أو التوجيه للآخرين.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt