دار الإفتاء المصرية تلقت هذا السؤال مرات عديدة، خاصة مع تكرار هذا الفعل في عدد كبير من المقابر، سواء من باب التزيين أو الصيانة، وأصدرت فتواها التي حسمت الجدل.
أجابت دار الإفتاء بأن وضع السيراميك على القبر ليس من السنة النبوية، وإنما هو من الأمور المحدثة التي لم ترد في فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة، ولا في التوصيات الشرعية المتعلقة بالدفن.
ومع ذلك، أكدت الدار أن وضع السيراميك لا يُعد محرمًا في ذاته، طالما لم يكن فيه إسراف أو مباهاة أو تجاوز لحرمة الميت، بل قد يُسمح به في بعض الحالات عند الحاجة.
أوضحت الفتوى أن الحكم يختلف بحسب الدافع والغرض من وضع السيراميك:
إن كان الغرض هو حماية القبر من الأمطار أو التهالك، أو لتمييزه عن غيره بشكل منضبط، فلا حرج شرعًا، بشرط عدم المغالاة أو الإسراف في التكلفة.
أما إذا كان الهدف هو التفاخر والتزيين والتباهي أمام الناس، فذلك مرفوض شرعًا، ويقع تحت حكم الكراهة الشديدة أو الحرمة، بحسب النية والمبالغة.
كما يجب مراعاة عدم تعلية القبر أو بنائه فوق الأرض ارتفاعًا مبالغًا فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك.
أجمعت المذاهب الفقهية على أن القبر يجب أن يُبنى بطريقة تحفظ حرمته، لكن اختلفت آراؤهم في تفاصيل تزيينه أو زخرفته:
الحنفية: يرون أن البناء على القبر مكروه، إلا إذا كان القبر في أرضٍ غير موقوفة للمقابر أو خُشي عليه من التلف.
المالكية: يمنعون البناء على القبر مطلقًا، سواء أكان حجرًا أو غيره، ويعتبرونه من البدع التي لا أصل لها.
الشافعية: يكرهون البناء على القبر، ويستثنون من ذلك ما إذا كانت هناك حاجة، مثل منع الانجراف أو تحديد الموضع.
الحنابلة: يميلون إلى تحريم البناء على القبور إلا للضرورة، كالتمييز أو الحفظ من الأذى.
بالتالي، فإن جمهور العلماء يتفق على عدم استحباب تبليط القبور أو زخرفتها، ولكن لا يُحكم بالتحريم إلا عند تجاوز الحدود الشرعية.
روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجصص القبر، وأن يُقعد عليه، وأن يُبنى عليه."
والتجصيص هو تبييض القبر بالجير، ويشبه في معناه الآن التبليط بالسيراميك أو الرخام، وهو ما يدل على ميل السنة إلى البساطة والبعد عن التزيين.
لكن الفقهاء ذكروا أن المنع في الحديث محمول على التباهي والمغالاة، وليس كل تزيين ممنوعًا مطلقًا، خاصة إذا كان القصد منه تحديد القبر أو صيانته.
أحد الإشكالات التي تواجه الناس عند تجهيز القبر هو الخلط بين الحفاظ على حرمة المتوفى و"إكرامه" من جهة، وبين إظهار الرفاهية والتفاخر بالقبور من جهة أخرى.
دار الإفتاء نبهت إلى هذا الفارق، وأكدت أن الشرع يدعو إلى احترام القبر وصيانته من الهدم أو الانجراف، لكن دون الدخول في مظاهر ترف لا فائدة منها.
كما أكدت أن القبر ليس موضعًا للتفاخر، بل موطن عبرة، وكل ما يُفعل فيه ينبغي أن يكون بدافع الرحمة والدعاء، لا التجميل والتباهي.
الإجابة بحسب الفتوى: لا، طالما أن التبليط تم بطريقة تحافظ على الكفن، وتغطي جسد الميت بالكامل، ولا يوجد كشف أو مساس مباشر بجسد المتوفى أثناء التركيب، فلا يُعد ذلك إهانة أو مخالفة.
بل إن بعض الأهالي يلجأون إلى هذه الطريقة لحماية جسد المتوفى من تسربات المياه أو الحشرات، وهي نية لا تُذم شرعًا إن خلَت من الرياء.
أما بخصوص كتابة اسم الميت على القبر، فقد أفتت دار الإفتاء أن ذلك جائز شرعًا ولا حرج فيه، بل قد يكون مطلوبًا في بعض الأحيان لتمييز القبور وعدم الخلط بين المتوفين.
لكنها شددت على عدم الإسراف في الكتابة، أو كتابة عبارات تمجد الميت أو تعلو القبر بشكل لافت للنظر، لأن هذا يتنافى مع مفهوم التواضع الذي دعت إليه الشريعة في حال الموتى.
يتفاوت موقف المجتمع المصري من قضية تزيين القبور، فبعض الأسر ترى أن التبليط هو شكل من أشكال الاحترام الواجب للميت، بينما يعتبره آخرون مخالفًا للشريعة ويبتعد عن روح الزهد والاتعاظ.
وتتكرر حالات الجدل داخل المقابر بين الأهالي أنفسهم، خاصة في القرى، حين يصر البعض على تبليط القبر رغم اعتراض الجيران أو إدارة المقابر.
وتوضح الفتوى أن الأفضل دائمًا اتباع العرف المحلي بشرط ألا يخالف الشريعة، وأن يكون الهدف هو الصيانة والتحديد لا الزينة.
من الناحية الشرعية، فإن دفن الميت في قبر بسيط من الطين أو الحجارة دون أي زخرفة أو تبليط هو الأفضل والأقرب للسنة، لكن إن دعت الحاجة لوسائل تحفظ القبر أو تمنع تسرب المياه إليه، فيمكن استخدام مواد عازلة أو حجارة دون مبالغة.
وإذا أراد أهل الميت وضع طبقة من السيراميك لسهولة التنظيف أو التحديد، فيجب أن يكون ذلك باعتدال، وبدون كتابات مبالغ فيها أو ألوان زاهية تلفت النظر.
الأصل في القبر أن يكون بسيطًا، لا يُبنى عليه ولا يُزخرف.
يجوز تبليط القبر إذا كان لغرض الحماية أو التمييز، بشرط الاعتدال.
يحرم التباهي أو الرياء في تجهيز القبر، ويقع في دائرة الكراهة أو الإثم.
كتابة الاسم وتاريخ الوفاة جائزة، ما لم تتضمن مديحًا أو مغالاة.
الأولى دائمًا اتباع السنة في الدفن، والاهتمام بالدعاء للميت أكثر من بناء القبر.
وبذلك يتضح أن الإسلام لم يمنع صراحة استخدام السيراميك أو الرخام في القبور، لكنه دعا إلى الاعتدال والتواضع، وجعل الأجر الأكبر في الصدقة والدعاء لا في البناء والتزيين
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt