وتأتي هذه التحركات في إطار سعي الحكومة لحل أزمة المساكن المغلقة والمعطلة، وتحقيق قدر من التوازن الاجتماعي والعدالة بين المالك والمستأجر، مع مراعاة البعد الإنساني للفئات المتضررة.
يعود نظام الإيجار القديم إلى عقود ماضية، عندما تم تحديد القيمة الإيجارية بمبالغ زهيدة وثابتة لا تتغير، ما تسبب في خلل كبير في سوق العقارات، وحرمان العديد من الملاك من حقوق عادلة في استغلال وحداتهم، وفي الوقت نفسه، حافظ على استقرار آلاف الأسر التي لا تملك بديلاً سكنيًا.
لكن مع تغير الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار العقارات والإيجارات الجديدة، ظهرت أصوات تطالب بإعادة النظر في العقود القديمة، خاصة تلك الممتدة عبر أجيال، دون مراعاة للواقع الحالي.
في هذا السياق، بدأت اللجنة المختصة بمراجعة تشريعات الإيجارات القديمة بالتعاون مع وزارة الإسكان، في وضع تصورات عادلة تعالج الأزمة دون الإضرار بالمواطن البسيط، وكان من بين هذه التصورات توفير وحدات سكنية بديلة للمستأجرين في حالات محددة.
تتضمن هذه الرؤية إعادة تسكين بعض الحالات التي سيتم إخلاؤها ضمن خطة تنظيم الإيجار القديم، خاصة:
الأسر غير القادرة على تحمل الإيجار الجديد
أصحاب الأمراض المزمنة
كبار السن الذين لا يتقاضون معاشات كافية
ذوي الاحتياجات الخاصة
وفقًا لما تم تداوله من مصادر برلمانية وحكومية، فإن مستأجري الإيجار القديم ممن تنطبق عليهم الشروط، قد يحصلون على وحدة بديلة في المدن الجديدة أو داخل المحافظات، تبعًا للتوزيع الجغرافي، وذلك بشروط ميسرة، قد تشمل:
إيجار منخفض مدعوم من الدولة
إمكانية التملك بعد فترة محددة
تقسيط القيم الإيجارية أو التمليكية على مدد طويلة تصل إلى 20 عامًا
أكدت وزارة الإسكان أن هيئة المجتمعات العمرانية، بالتعاون مع صندوق الإسكان الاجتماعي، ستكون الجهة المنفذة للمبادرة، بالتنسيق مع المحافظات المختلفة لحصر الحالات المستحقة.
ومن المتوقع أن يتم فتح باب التقديم عبر بوابة إلكترونية رسمية، تشمل:
تسجيل البيانات
تحميل المستندات الداعمة للحالة الاجتماعية والصحية
إثبات الإقامة بموجب عقد إيجار قديم
تشمل الشروط التي يجري إعدادها حاليًا ما يلي:
أن يكون المستفيد مقيمًا فعليًا في الوحدة القديمة منذ أكثر من 15 عامًا
ألا يمتلك أي وحدة سكنية أخرى باسمه أو باسم أحد أفراد أسرته
تقديم شهادة دخل توضح عدم القدرة على الإيجار بأسعار السوق
أولوية لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة
توقيع إقرار بعدم التصرف في الوحدة البديلة أو تأجيرها من الباطن
تشير التسريبات إلى أن الوحدات البديلة سيتم تخصيصها مبدئيًا في المدن التالية:
حدائق أكتوبر وبدر والعاشر من رمضان لمحافظة القاهرة والجيزة
برج العرب الجديدة للإسكندرية
مدينة بني سويف الجديدة والمنيا الجديدة لصعيد مصر
ويجري حاليًا التنسيق مع باقي المحافظات لتخصيص أراضٍ ومناطق لإقامة مجمعات سكنية جديدة تستوعب تلك الحالات.
أكدت مصادر حكومية أن الإخلاء لن يتم إلا بموافقة المستأجر وبعد تسكينه البديل المناسب، مشيرة إلى أن فلسفة القانون القادم ترتكز على عدم الإضرار بأي طرف، خاصة الطرف الأضعف اجتماعيًا.
وبالتالي، فإن الحصول على الوحدة البديلة سيكون شرطًا أساسيًا في حالات إنهاء العلاقة الإيجارية، ولن يتم إجبار أي مستأجر على مغادرة منزله قبل توفير بديل مناسب.
أثار الإعلان عن هذه المبادرة ردود فعل متباينة بين المواطنين، فبينما رحب البعض بالخطوة باعتبارها توجهًا إنسانيًا لحل أزمة مزمنة، أعرب آخرون عن تخوفهم من آليات التنفيذ ومدى عدالة التوزيع.
قال أحد المستأجرين من الدقي:
"أنا مع التطوير، لكن المهم ألا أرمي في الشارع، ولو هتنقل لازم مكان آمن ومناسب لأولادي."
بينما قالت مواطنة من الإسكندرية:
"أنا ساكنة في بيت إيجار قديم من 40 سنة، ومعاش جوزي ميكفيش أي إيجار تاني، لو هيخلونا نمشي لازم يدونا بديل بكرامة."
من المنتظر أن يُعرض مشروع قانون تنظيم الإيجارات القديمة على مجلس النواب في دور الانعقاد القادم، ويتضمن بندًا خاصًا بإعادة التسكين للوحدات البديلة.
وصرح عدد من النواب أن أولوية المناقشات ستكون للبعد الاجتماعي، لضمان التدرج في تطبيق التعديلات، وعدم المساس باستقرار الأسرة المصرية.
أشارت وزارة المالية إلى أن جزءًا من التكلفة سيتم تمويله من خلال صندوق الإسكان الاجتماعي، كما يجري دراسة تخصيص جزء من حصيلة بيع الأراضي الاستثمارية لتمويل إنشاء المجمعات السكنية الجديدة.
كما تبحث الحكومة إشراك القطاع الخاص في تنفيذ الوحدات من خلال آلية الشراكة بنظام BOT أو PPP، بما يضمن سرعة التنفيذ وجودة الإنشاءات.
مع اقتراب تنفيذ هذه الإجراءات، تُنبه الحكومة المواطنين إلى:
عدم التوقيع على إخلاء بدون استلام بديل
عدم التعامل مع سماسرة أو وسطاء
ضرورة التأكد من جهة الاتصال الرسمية
الاحتفاظ بعقد الإيجار الأصلي وكل ما يُثبت الإقامة
إن الحديث عن وحدات بديلة لمستأجري الإيجار القديم يعكس محاولة فعلية من الدولة لمعالجة واحدة من أقدم القضايا الاجتماعية والاقتصادية. وبينما يظل التحدي الأكبر هو التنفيذ العادل والمرن، فإن وجود إرادة سياسية ورؤية تشريعية واضحة يمثلان خطوة في الاتجاه الصحيح.
وفي ظل ارتفاع أسعار الإيجارات الجديدة وتعقيد ظروف الحياة، يبقى تأمين سكن كريم للمواطن البسيط أولوية لا تحتمل التأجيل. ويبقى الرهان على شفافية التنفيذ ومشاركة المواطنين في هذه المبادرات بشكل فعّال، لضمان تحقيق العدالة والاستقرار.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt