في الأيام الأخيرة اشتعلت منصّات التواصل الاجتماعي بخبرٍ مفاده أنّ مشروع تعديل قانون الإيجار القديم يتضمّن مادة تُوحِّد القيمة الإيجارية لجميع الوحدات السكنيّة الخاضعة لهذا النظام عند 250 جنيهًا شهريًّا بدءًا من يناير 2026. ورغم أنّ الخبر انتشر كالنار في الهشيم، فإنه دفع الملايين من المستأجرين والملاك للتساؤل: هل أقرّ البرلمان بالفعل هذه القيمة الموحّدة؟ وما حقيقة النصّ القانوني الذي قِيل إنّه «حاسم» لنزاع عمره عقود؟
بدأت القصة حينما تداول بعض الصحفيين مسوَّدة غير نهائية لمقترح تقدّم به أحد أعضاء لجنة الإسكان يتضمّن مادة انتقالية تقول:
«يلتزم المستأجر بدفع أجرة شهرية استرشادية مقطوعة قدرها 250 جنيهًا للوحدة السكنية الخاضعة لأحكام هذا القانون، وذلك لمدة عامين من تاريخ نفاذه».
المشكلة أنّ بعض الصفحات نشرت هذا السطر منفصلًا عن بقية المواد التي تلحقه، ما أوحى بأنّ «250 جنيهًا» قيمة ثابتة لا تتغيّر. في حين أن نفس المقترح يربط الرقم ببعض الضوابط ويمنحه صفة «استرشادية» لفترة مؤقتة قبل الانتقال إلى نظام القيمة السوقية التدريجية.
بعد مراجعة المسودة الرسمية التي وصلت البرلمان، يتبيّن أن المادة موضع الجدل وردت بصيغة مختلفة:
«يلتزم المستأجر بدفع مقابل انتفاع مؤقت يُحدّد بمبلغ لا يقلّ عن 250 جنيهًا شهريًا للوحدة السكنية أو 400 جنيه للوحدة التجارية، وذلك لمدة انتقالية لا تتجاوز سنتين، تُحتسب ضمن مدة تصحيح الأوضاع تمهيدًا لتقدير القيمة الإيجارية العادلة بموجب لجان التقييم المنشأة بمقتضى هذا القانون.»
هنا فارقان جوهريان:
الرقم يمثل حدًّا أدنى لا سقفًا ثابتًا.
المبلغ انتقالي يُطبّق فقط إلى حين صدور التقييم الرسمي للقيمة السوقية.
تقرير لجنة الإسكان أوضح أن القيمة الاسترشادية يجب أن تُغطّي:
تكاليف الصيانة الدورية التي يُلزم بها المالك.
جزءًا من ضريبة العقار.
استهلاك المرافق المشتركة.
وباحتساب متوسط هذه البنود في أغلب المحافظات، خرجت اللجنة بأن 250 جنيهًا هو الحد الأدنى لضمان «صيانة العقار واستدامة المرافق» خلال الفترة الانتقالية.
رأت اللجنة ضرورة وضع رقم لا يُشكل صدمة للمستأجر منخفض الدخل، وفي الوقت نفسه لا يفرّط في حق المالك في قيمة عادلة نسبيًّا على المدى القصير.
صرّح مصدر بوزارة العدل أن مشروع القانون لا يزال في إطار المراجعة الفنية، وأن أي أرقام مالية قابلة للتعديل قبل القراءة النهائية في الجلسة العامة. وأكد أن الهدف هو «تحقيق توازن حقيقي بين حق السكن للمستأجر وحق الانتفاع للمالك»، ولا توجد نيّة لفرض رقم موحّد لجميع الحالات من دون مراعاة فروق المناطق والقيم السوقية.
تجمعات ملاك الوحدات القديمة عبّرت عبر بيانات رسمية عن رفضها لهذا الحد الأدنى، معتبرة أنه لا يغطّي سوى جزء يسير من القيمة الفعلية للوحدة، خاصة في الأحياء الراقية بوسط القاهرة أو الإسكندرية. وطالبوا بتطبيق معادلة القيمة الاستبدالية منذ اليوم الأول، دون المرور بمرحلة المبلغ الانتقالي.
جمعيات حماية المستهلك والمستأجرين رأت في المبلغ المقترح قفزة مفاجئة في بعض المناطق الريفية التي لا تتجاوز أجرتها الحالية 20 جنيهًا. وأكدت أنّ أي تحريك للقيمة يجب أن يكون تدريجيًّا على مدى خمس سنوات، مع دعم الفئات غير القادرة من خلال برامج «تكافل وكرامة».
فرنسا: اعتمدت ما يُسمّى «عقد التضامن» وفيه يُعطَى المستأجر القدامى دعمًا إيجاريًّا عبر الدولة مقابل تحرير تدريجي للسعر خلال 5 سنوات.
إسبانيا: أقرت قانونًا يفرض على المالك تحديث العقار على نفقته مقابل رفع الأجرة بنسبة لا تتجاوز 15٪ سنويًّا حتى الوصول للقيمة السوقية.
الأردن: لجأت إلى لجان قضائية تحدد أجرة عادلة وفق معايير العمر الزمني والموقع.
وقد استلهمت اللجنة المصرية هذه التجارب، لكنها تسعى لخصوصية تتوافق مع التركيبة السكانية والاجتماعية.
تعديل الرقم: قد يرفع الحد الأدنى إلى 300 جنيه في المدن الكبرى ويظل 250 في المحافظات.
تقليص الفترة الانتقالية إلى عام واحد بدل عامين لإسراع لجان التقييم.
ربط الأجرة مؤقتًا بمؤشر التضخم بحيث تزيد تلقائيًّا بنسبة لا تتجاوز نصف معدل التضخم السنوي.
خلاصة القول إنّ القانون لم يقرّ بعد رقمًا موحَّدًا للأجرة بقيمة 250 جنيهًا لكل الوحدات، بل وضعه كمبلغ «انتقالي حدٍّ أدنى» قيد النقاش، وقد يُعدَّل قبل الصياغة النهائية. وما أُثير من ضجّة يرجع إلى اجتزائها من سياقها التشريعي الكامل. ويبقى الحلّ الأمثل انتظار الصيغة النهائية التي سيصدر بها القانون، ومتابعة جلسات البرلمان للنظر في التعديلات المقترحة، إذ من المنتظر أن يُحسم الملف خلال الدورة البرلمانية الحالية لتحقيق التوازن المنشود بين حقوق المالكين وضمان السكن الآمن للمستأجرين.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt