كما طرح الهلالي تفسيرًا مثيرًا للآية القرآنية "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين"، قائلاً إنها ليست آية قطعية المعنى، بل تحتمل أكثر من وجه، مشيرًا إلى أن التمييز في الميراث كان يرتبط بظروف اجتماعية محددة.
في بيان رسمي صادر عن مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أكد الأزهر أن نصوص الميراث في الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت والدلالة، وأنها تمثل جزءًا من الأحكام الثابتة التي لا تقبل الاجتهاد أو التغيير بأي حال من الأحوال.
وشدد البيان على أن الخوض في هذه المسائل ومحاولة إعادة تفسيرها خارج السياق الشرعي يُعد تعديًا على الثوابت، ومحاولة لهدم المنظومة الدينية التي تحفظ تماسك الأسرة والمجتمع.
وقال الأزهر إن الدعوة إلى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في الميراث تمثل مساسًا مباشرًا بحكم إلهي واضح، وأن "التدين الشخصي" أو الاجتهاد الفردي لا يُمكن أن يُغيّر من الأحكام القطعية، ولا يجوز استخدامه ذريعة لتبرير الخروج على النصوص الشرعية.
وأكد المركز أن استخدام بعض الحالات الاستثنائية أو التجارب الغربية في مقارنتها بأحكام الشريعة لا يُعد دليلًا شرعيًا، لأن الإسلام له منظومته الكاملة والمتماسكة التي لا تُجزّأ ولا تُفسّر بمزاج فردي.
طالب الأزهر علماء الدين والدعاة والباحثين بضبط الخطاب الديني، وعدم التسرع في طرح الاجتهادات في قضايا تم حسمها نصًا، وذلك حرصًا على استقرار المجتمع وحماية الدين من التأويلات الشاذة.
وأكد أن إثارة قضايا الميراث بهذه الطريقة تفتح بابًا واسعًا للبلبلة، وتُضعف ثقة الناس في المؤسسة الدينية، وتشجع على التمرد على أحكام الشريعة تحت غطاء حرية الفكر أو الاجتهاد.
وشدد على أن العالم الأزهري يحمل مسؤولية كبيرة في تمثيل الدين بشكل صحيح، وأن على المؤسسات العلمية أن تتعامل بحزم مع أي خروج عن هذا الإطار، حفاظًا على مكانة الأزهر وثقة الناس فيه.
في تصريحاته الأخيرة، دعا الدكتور سعد الدين الهلالي إلى طرح قضية المساواة في الميراث للاستفتاء الشعبي، قائلًا إن القانون يجب أن يكون انعكاسًا لرغبة الناس، وأنه من غير المنطقي فرض أحكام شرعية لا تتماشى مع الواقع المعاصر.
وأضاف أن هناك دولًا طبقت هذه الفكرة منذ عشرات السنين، معتبرًا أن التغيير لا يعني مخالفة الدين، بل هو شكل من أشكال الاجتهاد العصري الذي يُراعي تطور الزمن وظروف المجتمع.
تصريح الهلالي هذا أثار موجة إضافية من الغضب، حيث اعتبره كثيرون دعوة لتجاوز النصوص الصريحة واستبدال الأحكام الشرعية برغبات الجمهور، وهو ما يُناقض جوهر الشريعة الإسلامية التي ترتكز على النص وليس على رأي الأغلبية.
عدد من علماء الأزهر ردوا على تصريحات الهلالي بشكل واضح، أبرزهم الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق، الذي أكد أن المواريث فُرضت بنص قرآني محكم، وأن تقسيمها لا يخضع لرغبة شخصية أو اجتهادات اجتماعية.
وقال شومان إن القول بأن الإنسان حر في توزيع أمواله كما يشاء خلال حياته، حتى لو خالف بذلك نظام الميراث، هو قول باطل لا سند له شرعًا، لأن الإنسان في الإسلام مأمور بالامتثال لأحكام الله حتى في أمواله.
وأشار إلى أن من يُوزع ماله في حياته بما يُخالف أحكام الميراث – كأن يُعطي الابن ضعف نصيب الابنة – فإنه آثم شرعًا، لأن ذلك يُعد تحايلًا على حكم الله، حتى وإن تم في حياة الشخص.
في سياق متصل، أكد الأزهر في بيانه أن الدستور المصري لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، بل نص في مادته الثانية على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
وأضاف أن القوانين المصرية في مجملها لا تخرج عن الإطار العام للشريعة، وأنه لا يوجد صراع بين القانون المدني والفقه الإسلامي كما يروج البعض، بل إن هناك توافقًا واضحًا، وأن أي محاولة لإثارة التعارض هي محاولة سياسية أو فكرية تستهدف تفكيك المجتمع.
وجه الأزهر تحذيرًا من أن استمرار تداول مثل هذه الطروحات بشكل علني، دون رادع أو ضبط علمي، قد يؤدي إلى فوضى فكرية تهدد المجتمع، حيث يُصبح لكل فرد الحق في تفسير النصوص الدينية حسب أهوائه، ما يؤدي إلى تقويض الأحكام الشرعية وتفريغها من مضمونها.
وأكد أن ما يُعرف اليوم بـ"التجديد في الفكر الديني" لا يعني تغيير الثوابت، بل يعني تقديم الدين بلغة العصر مع الحفاظ على نصوصه القطعية دون تعديل أو تلاعب.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt