تعودنا على البيانات الدورية التي تصدرها الهيئة العامة للأرصاد الجويّة، لكن البيان الذي خرج صباح اليوم يختلف في نبرته ومضمونه، إذ يحدّد موعدًا واضحًا لارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير مألوفة في هذا الوقت من العام، بل ويربط الارتفاع بظاهرة جوية إقليمية تستوجب الحذر. انعكاس ذلك سيمتدّ إلى مجالات عديدة: الصحة العامة، قطاع الطاقة، الزراعة، بل والحياة اليومية البسيطة، ما يجعل فهم التفاصيل ضرورة لا ترفًا.
بحسب البيان الرسمي، من المتوقّع أن تبدأ الموجة الحارة فجر الأحد المقبل الموافق 22 يونيو 2025، وتصل ذروتها يومي الثلاثاء والأربعاء (24 و25 يونيو)، حيث تُسجِّل القاهرة الكبرى 39 درجة مئوية كعظمى، في حين ترتفع بعض محافظات الصعيد إلى 47 درجة. تمتد الموجة لخمسة أيام على الأقل قبل أن تنحسر تدريجيًا مع مطلع الأسبوع التالي.
أوضحت الهيئة أن السبب الرئيس هو منخفض الهند الموسمي الذي اندفع هذا العام إلى الحوض الشرقي للبحر المتوسط قبل موعده المعتاد بنحو عشرة أيام. ويصطحب المنخفض كتلًا هوائية شديدة السخونة، مع انخفاض نسبي في نسبة الرطوبة، ما يعني شعورًا بحرارة جافة نهارًا، يليها ليلٌ أقلّ برودة مما اعتاده المواطنون في يونيو.
شمال الصعيد (الفيوم – بني سويف – المنيا): ارتفاع حاد يتجاوز 44 درجة مئوية، مع هدوء للرياح يزيد الإحساس بالحرارة.
جنوب الصعيد (أسيوط – الأقصر – أسوان): تجاوز حاجز 47 درجة مع احتمالات تشكّل رياح حارّة محمّلة بالأتربة بعد الظهيرة.
الدلتا والقاهرة الكبرى: درجات أقل قليلًا (38–40) لكن الرطوبة النسبية ستجعل الإحساس يعادل 42–43.
السواحل الشمالية: حرارة بين 33 و35، لكن شبه انعدام نسيم البحر لتمركز المرتفع الأزوري يرفع الشعور بحرارة خانقة.
التعرّض المباشر للشمس في فترة الذروة بين الحادية عشرة صباحًا والرابعة عصرًا يعرّض الجسم لضربة حرارية محتملة.
زيادة أحمال الكهرباء المتوقعة قد تُحدث ضغطًا على الشبكة. تنصح الأرصاد بترشيد استخدام المكيّفات قدر الإمكان.
خطر اندلاع الحرائق في المناطق الزراعية والهشّة نباتيًّا، خاصة مع انخفاض الرطوبة ورياح الحراشف.
احتمال اضطراب محدود في حركة الملاحة جنوب البحر الأحمر عصر الثلاثاء نتيجة نشاط رياح ساخنة محملة بالأتربة.
الأطفال وكبار السن ومرضى القلب وأصحاب الأمراض التنفسية يمثلون الفئات الأكثر هشاشة أمام موجة الحر. ارتفاع حرارة الجسم لوقت طويل قد يفضي إلى ضربات الشمس أو الجفاف الحاد. التوصيات الطبية تشمل:
شرب مياه معتدلة البرودة بكمية لا تقل عن 3 لترات يوميًا.
ارتداء ملابس قطنية فاتحة اللون لتقليل امتصاص الأشعة.
تأخير الأنشطة الرياضية إلى ما بعد الغروب أو قبل الشروق بساعة.
الاختباء في الظل أو الأماكن المكيّفة قدر المستطاع خلال ذروة الحرارة.
مع تشغيل الملايين لأجهزة التكييف والمراوح، يتوقّع مركز التحكم القومي للأحمال زيادة الاستهلاك بنحو 2200 ميجاوات عن المعدّل اليومي. أهابت وزارة الكهرباء بالمواطنين ضبط المكيّفات على 25 درجة لخفض الأحمال والحفاظ على استقرار الشبكة.
حذّرت وزارة الزراعة من تبخّر سطحي مرتفع قد يضرّ المحاصيل الصيفية، وطالبت المزارعين بتأجيل رش المبيدات إلى الليل، وزيادة فترات الرّي الخفيف على مراحل لتجنّب صدمة النباتات.
أصدرت وزارة التربية والتعليم توجيهًا إلى المدارس المتبقيّة في امتحانات الدور الأول بتقديم موعد اللجان ساعة مبكرًا، مع توفير غرفة مبرّدة لعزل أي طالب تظهر عليه أعراض الإجهاد الحراري. أما الهيئات الحكومية فأعلنت تقليص زمن العمل ساعة واحدة، والسماح للنساء الحوامل أو المرضعات بالعمل من المنزل طوال أيام الموجة.
دعت منظمات الإغاثة إلى نشر نقاط توزيع مياه مجانية في مواقف النقل العام وتحت الجسور المزدحمة، إضافة إلى تجهيز وحدات متنقلة لفحص الضغط والسكر عند تقاطعات رئيسية، حيث يُحتمل ازدحام مروري يفاقم الإحساس بالحر.
الشركة القابضة لمياه الشرب أعلنت تشغيل المحطات الاحتياطية لتلبية زيادة الطلب، خصوصًا في القاهرة الجديدة والجيزة.
وزارة التموين طالبت محطات الوقود بتوفير مخزون إضافي تحسّبًا لازدياد تشغيل المولدات الكهربائية الخاصة بالمستشفيات والمصانع.
الأرصاد تنشر تحديثًا كل ست ساعات عبر قناتها الرسمية، كما يمكن استقبال تنبيهات فورية عبر تطبيق «طقس مصر» الذي يرسل إشعارات في حال تخطت الحرارة عتبة 40 درجة أو إذا نشطت الرياح المحمّلة بالأتربة بشكل مفاجئ.
إن تحذير الهيئة العامة للأرصاد ليس مجرّد تنويه عابر؛ إنه تأسيس لثقافة الاستعداد المجتمعي أمام ظواهر مناخية تشتدّ عامًا بعد عام. ومع تحديد موعد الارتفاع الحاد ابتداءً من 22 يونيو، بات على كل فرد—مواطنًا كان أو مسؤولًا—أن يتبنّى إجراءات بسيطة لكنها حاسمة: التزم الظل، اشرب الماء، ترشيد الكهرباء، ووفّر الحماية لصغارك وكبارك. التكيف مع المناخ يبدأ بقرارات صغيرة، لكنها تصنع فارقًا كبيرًا في سلامتنا وسلامة مرافقنا العامة.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt