في زمن تصدّرت فيه وسائل التواصل الاجتماعي واجهة المشهد اليومي، لم يعد مستغربًا أن نرى أشخاصًا يصعدون إلى سلم الشهرة من خلال مقاطع قصيرة أو بث مباشر، يحقق مشاهدات بالملايين. ومن بين هؤلاء، ظهر اسم التيك توكر المعروف باسم "شاكر محظور"، كواحد من أكثر الأسماء إثارة للجدل خلال الفترة الأخيرة، بعد أن تناقلت الأوساط الإلكترونية تقارير عن تحقيقه أرباحًا خيالية قد تصل إلى مليون جنيه في بث واحد فقط.
فمن هو هذا الشاب الذي احتل "الترند" مرارًا؟ ولماذا يُوصف بـ"المحظور"؟ وما سر الأرقام الضخمة التي يحققها؟ وكيف يتعامل المجتمع والجهات المختصة مع محتواه؟ في هذا التقرير نستعرض القصة الكاملة لصعود التيك توكر شاكر، وتحول البث المباشر إلى وسيلة لجني الملايين.
شاكر هو شاب مصري في نهاية العشرينيات من عمره، بدأ نشاطه على منصة "تيك توك" منذ ما يقرب من ثلاث سنوات. ورغم أن بدايته كانت مثل كثير من الشباب العاديين، بمقاطع تقليدية لا تلقى رواجًا كبيرًا، إلا أن نقطة التحول جاءت حين اعتمد أسلوبًا صادمًا يعتمد على الإثارة والجرأة في الحديث، مع مشاهد تمثيلية أو أداء ساخر يثير الجدل.
وسرعان ما بات اسمه معروفًا في دوائر السوشيال ميديا، ليس فقط بسبب المحتوى المختلف، ولكن أيضًا بسبب اسمه الغريب الذي اختاره لنفسه "شاكر محظور"، في إشارة منه إلى عدد المرات التي تم فيها إغلاق حساباته على المنصة بسبب انتهاكه لسياسات النشر.
هذا اللقب غير المألوف أصبح علامة مسجلة له، وساهم في زيادة فضول المتابعين لمعرفة ماذا يقدم، ولماذا يتكرر حظره.
واحدة من أكثر الأسئلة تداولًا حول شاكر هي: كيف يحقق أرباحًا قد تصل إلى مليون جنيه في بث مباشر واحد؟
الإجابة تعود إلى نظام الأرباح الخاص بمنصة تيك توك، الذي يتيح للمشاهدين إرسال "هدايا رقمية" لصانعي المحتوى أثناء البث المباشر. هذه الهدايا تُشترى بأموال حقيقية، ويتم تحويلها إلى "مكافآت" لصاحب الحساب بعد خصم نسبة المنصة.
وبحسب ما يتناقله المتابعون، فإن شاكر يمتلك جمهورًا ضخمًا من المتابعين الأوفياء، الذين لا يترددون في دعمه ماديًا خلال البث. وفي بعض المناسبات، تصل قيمة الهدايا المجمعة خلال ساعة أو ساعتين إلى أرقام مذهلة.
البث الواحد قد يتابعه عشرات الآلاف في وقت واحد، وهو ما يجعل كل دقيقة على الهواء تساوي مالًا فعليًا، خاصة إذا تفاعل الجمهور مع ما يقدمه.
المحتوى الذي يقدمه شاكر محظور يصعب تصنيفه ضمن فئة واحدة. ففي بعض الأحيان يقدم مقاطع ساخرة من الأحداث الجارية، أو محاكاة لفيديوهات أخرى بأسلوب غريب، بينما في أحيان أخرى يدخل في مشادات أو نقاشات حادة مع متابعين أو صانعي محتوى آخرين.
يعتمد شاكر بشكل أساسي على البث المباشر، حيث يظهر لفترات طويلة وهو يتحدث بتلقائية شديدة، أحيانًا بعصبية أو استفزاز، مما يخلق حالة من التفاعل المرتفع، سواء بالإعجاب أو الانتقاد.
وقد أثار هذا الأسلوب جدلًا كبيرًا، ما بين من يراه موهوبًا استطاع استغلال المنصة لجذب المتابعين، ومن يعتبره نموذجًا لمحتوى لا يحمل قيمة حقيقية ويعتمد فقط على التريندات والإثارة.
حسابات شاكر تعرضت للإغلاق عدة مرات، سواء من إدارة تيك توك أو نتيجة بلاغات من المستخدمين، ما جعله يختار لقب "محظور" كمُعرّف دائم له.
السبب في ذلك يرجع إلى أن بعض الفيديوهات أو البثوث التي قدمها تضمنت مخالفات لسياسات النشر، مثل استخدام ألفاظ نابية، أو الحديث عن مواضيع مثيرة للجدل بطريقة غير ملائمة، أو الإساءة للآخرين.
ومع ذلك، فإن الحظر لم يُوقفه، بل على العكس، كان كل حظر جديد يولد حسابًا جديدًا، ويثير المزيد من الجدل، وبالتالي مزيدًا من المتابعة، ما عزز شعبيته وجعل من "الحظر" جزءًا من شخصيته التسويقية.
لا يمكن إنكار أن شاكر يتمتع بجماهيرية كبيرة، خاصة بين فئة المراهقين والشباب الذين يجدون في محتواه نوعًا من الخروج عن المألوف أو الترفيه غير التقليدي.
لكن في المقابل، يواجه انتقادات لاذعة من قطاع آخر من الجمهور، الذين يرون أن ما يقدمه غير لائق، ولا يليق أن يُروّج كقدوة أو كنموذج ناجح، خاصة أنه يقدم صورة سطحية قد تؤثر على سلوك الأطفال والمراهقين.
البعض يذهب أبعد من ذلك، ويطالب بحظره نهائيًا، معتبرين أن تأثيره سلبي على المجتمع، بينما يرى آخرون أن الجمهور هو من يقرر، وأن من لا يعجبه المحتوى يمكنه ببساطة عدم المتابعة.
في ظل الضجة المحيطة بالتيك توكر شاكر، يُطرح تساؤل قانوني مهم: هل ما يقدمه يقع تحت طائلة القانون؟
القوانين المصرية الحالية تُجرم نشر المحتوى الذي يخدش الحياء، أو يحرض على العنف أو الكراهية، أو ينتهك القيم الأسرية، أو يسيء إلى الآخرين. وإذا ثبت ارتكاب أحد هذه الأفعال، يمكن مساءلة صاحب الحساب قضائيًا.
غير أن الإشكالية تكمن في صعوبة ضبط المحتوى المتغير والسريع على المنصات الرقمية، خصوصًا أن أغلب البثوث تُحذف أو تُخفى بعد انتهائها، ما يصعّب عملية جمع الأدلة.
وفي الوقت نفسه، فإن عدم وجود ترخيص رسمي أو تصريح ضريبي لأرباح صانعي المحتوى يمثل ثغرة قانونية يجري التركيز عليها مؤخرًا من قبل الجهات الرقابية.
يرى بعض المراقبين أن قصة شاكر محظور تمثل أكثر من مجرد قصة شاب ذكي استغل الإنترنت للربح. إنها ظاهرة تعكس كيف تغيّر مفهوم الشهرة في عصر المنصات الاجتماعية، وكيف أصبح بالإمكان تحقيق ثروة دون مؤهل أو خبرة تقليدية.
لكنهم يحذرون في الوقت نفسه من الآثار الجانبية لهذا النموذج، خاصة حين يصبح قدوة للشباب الذين يرون أن النجاح يقترن بكسر القواعد أو إثارة الجدل، لا بالإبداع أو العمل الجاد.
من هنا تأتي الدعوات لوضع أطر قانونية وتنظيمية حاكمة، مع ضرورة تفعيل دور الأسرة والمؤسسات التعليمية في توعية الأجيال الجديدة بالاستخدام الآمن والمسؤول لوسائل التواصل.
شاكر ليس الأول ولن يكون الأخير، فمع تطور المنصات وتغير أدوات التعبير، سيظل هناك دائمًا من يبحث عن طرق جديدة للظهور، سواء بهدف الربح أو الشهرة أو التأثير.
لكن السؤال الحقيقي هو: هل نحن كمجتمع قادرون على فرز ما ينفعنا وما يضرنا من هذا السيل الجارف من المحتوى؟ وهل سنترك الخوارزميات وحدها تحدد من يشتهر؟ أم أن الوقت قد حان لخلق توازن بين حرية التعبير والمسؤولية المجتمعية؟
تيك توكر شاكر محظور مثال واضح على تحولات عصر الرقمنة، حيث لم تعد الثروة مرتبطة بالوظيفة، ولا الشهرة مقرونة بالموهبة، بل أصبحت مرتبطة بالحضور اللحظي ومدى التفاعل اللحظي للجمهور.
ورغم الجدل الكبير حوله، فإنه لا يمكن إنكار أن ما حققه يعكس خللًا أعمق في منظومة المحتوى الإلكتروني، ويدعو إلى وقفة جادة لإعادة تقييم العلاقة بين المنصات الرقمية ومجتمعاتنا، قبل أن تتحول الشهرة السريعة إلى أزمة طويلة الأمد.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt