لم تعد فكرة إقامة البشر على سطح المريخ ضربًا من الخيال العلمى أو مادة ثرية لأفلام هوليوود، بل صارت هدفًا استراتيجيًا مُعلَنًا لدى وكالات الفضاء الكبرى. وفى تصريحٍ لافت، أكّد رئيس برنامج استكشاف الفضاء العميق فى وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) أن العيش المستدام على الكوكب الأحمر قد يُصبح حقيقة ملموسة «فى غضون خمسة عشر عامًا فقط»، أى بحلول عام 2040 تقريبًا. هذا التصريح فجّر موجة نقاش عالمى حول جاهزية البشرية تقنيًا واقتصاديًا ونفسيًا لخطوة تاريخية بهذه الجرأة.
يأتى اختيار المريخ بوصفه «المحطة التالية» لأسباب جوهرية:
قربه النسبى من الأرض مقارنةً بالكواكب الأخرى الصالحة نظريًا.
دوراته المناخية التى تتشابه جزئيًا مع فصول الأرض، ما يمنح العلماء نقطة انطلاق للتكيف.
آثاره الجيولوجية القديمة التى تُرجِّح وجود مياه سائلة فى الماضى السحيق، مما يرفع احتمالية العثور على أشكال ميكروبية للحياة.
موارده الطبيعية المحتملة مثل ثانى أكسيد الكربون الغزير فى الغلاف الجوى، والذى يمكن تحويله إلى أكسجين ووقود صاروخى.
تخطط «إيسا» بالتعاون مع «ناسا» وشركاء تجاريين لإرسال أول طاقم تجريبى إلى مدار المريخ بحلول نهاية العقد، على أن تكون مدة الرحلة حوالى 180 يومًا باستخدام محركات دفع متقدمة.
ستتم تجربة نظم «الموائل القابلة للنفخ» ومحطات إعادة تدوير الماء والهواء، للتأكد من كفاءتها قبل الهبوط السطحى.
بعد نجاح مهمات المدار، سيُرسل رواد فضاء للهبوط فى «وادى قانتيس» جنوب خط الاستواء، حيث عُثر على رواسب جليدية تحت السطح.
الهدف إنشاء قاعدة أولية تشبه المعسكرات القطبية تتسع لـ 6–8 أشخاص، مزودة بوحدات زراعية صغيرة لإنتاج الخَضروات.
وفق الجدول المقترح، تُرسل وحدات إضافية لزيادة القدرة الاستيعابية إلى 20 شخصًا، مع تشغيل مفاعل نووى صغير يُشغّل منشأة لتحويل ثانى أكسيد الكربون إلى وقود ميثانى وماء صالح للشرب.
بحلول منتصف الأربعينيات، يمكن للمستعمرة الأولى أن تعتمد جزئيًا على نفسها غذائيًا وطاقيًا.
تُطوِّر «إيسا» محركات دفع كهربى حرارى تعتمد على الطاقة النووية لتقليل زمن الرحلة إلى ما دون ستة أشهر.
يجرى اختبار «شراع شمسى هجين» يُستخدم فى العودة الطارئة بتكاليف وقود منخفضة.
تعتمد على طابعات ثلاثية الأبعاد تستخدم غبار المريخ لصنع قوالب بناء، مزودة بمواد بوليمرية تلتئم تلقائيًا عند حدوث شقوق نتيجة عواصف التراب.
السقف مغطى بطبقات من الجليد المحلى لعزل الإشعاع الكَوْنى.
مزارع «أيروبونيك» تعتمد على الرذاذ المغذّى بدل التربة.
إعادة تدوير 98٪ من المياه داخل النظام، مع الاستعانة ببكتيريا مُهندَسة لتحويل الفضلات البشرية إلى سماد آمن.
تجهيز المستعمرة بوحدة طبىة تعمل بذكاء اصطناعى قادرة على التشخيص، مدعومة بأذرع روبوتية لإجراء جراحات طارئة.
الاتصال بالأرض عبر شبكة ليزرية عالية النطاق الترددى لتقليص تأخير الإشارة إلى أقل من 8 دقائق.
يتعرض السطح لمستويات إشعاع قد تفوق الأرض بخمسين ضعفًا.
الحل المقترح هو الإقامة تحت قباب مغطاة بطبقة تربة سماكتها 3 أمتار، أو بناء مستعمرات داخل الأنفاق البركانية القديمة.
يعيش الرواد بعيدًا عن الأرض لسنتين أو أكثر، ما يفرض ضغوطًا نفسية هائلة.
برامج محاكاة متقدمة على الأرض، و«بيئات واقع افتراضى» داخل المستعمرة، ستُستخدم لتقليل الشعور بالانفصال.
تُقدر الموازنة الأولية بنحو 120 مليار يورو خلال الخمسة عشر عامًا.
تعتمد الخطة على شراكات دولية وتمويل تجارى من شركات تقنية ترى فى المريخ استثمارات مستقبلية فى التعدين والبحث العلمى.
الخوف من تلوث الأرض بميكروبات مريخية محتملة عند العودة، والعكس صحيح.
ستُطبق بروتوكولات «حَجْر حيوى» صارمة قبل إقلاع أى مركبة من المريخ أو إليه.
يرى محللون أن إعلان وكالة الفضاء الأوروبية عن إطار زمنى لا يتجاوز 15 عامًا يمثل:
دافعًا تنافسيًا فى سباق فضائى يشمل الولايات المتحدة والصين والهند وشركات مثل «سبيس إكس».
دعوة للتعاون عبر برامج مشتركة لتوزيع التكاليف، خاصة أن أوروبا لا تمتلك حتى الآن مركبة إطلاق فائقة الثقل بحجم «ستارشيب» الأمريكية.
أثار الخبر موجة حماس لدى الشباب والمهتمين بالعلوم، حيث تصدّر وسم #المريخ_2040 منصات التواصل فى أوروبا، وتداول المستخدمون تصاميم تخيلية لمدن مريخية وحدائق زراعية تحت القباب.
فى المقابل، حذر بعض العلماء من الإفراط فى التفاؤل، مؤكدين ضرورة التركيز على حل مشاكل الأرض أولًا، مثل التغير المناخى والجوع، قبل الاستثمار فى كوكب آخر.
سيظل السؤال: هل تمتلك البشرية الإرادة المشتركة، والتمويل الكافى، والتقنية الضرورية لتحويل هذا الخط الزمنى الجرىء إلى واقع؟ الإجابة ستتضح مع انطلاق الصاروخ الأول الذى يحمل بذرة الحياة إلى أرض جديدة بعد خمسة عشر عامًا من اليوم.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt