تتواصل فصول أزمة سلسلة محلات "بلبن" الشهيرة، وهذه المرة مع تطور غير متوقع أثار حالة واسعة من الجدل والغضب، بعد تداول تسجيل صوتي منسوب إلى مالك السلسلة.
يحتوي على تصريحات صادمة تمس بيئة العمل داخل المصانع، وتُقلل من شأن العاملين، وتُظهر تجاهلًا لمعايير الجودة والسلامة الغذائية.التسجيل الذي انتشر كالنار في الهشيم عبر منصات التواصل الاجتماعي، حوى عبارات جارحة وخطيرة، وصف فيها المتحدث المصنع بأنه خالٍ من الجودة، ووجه انتقادات لاذعة للعاملين فيه وصلت إلى حد إهانتهم ووصفهم بأن مظهرهم لا يصلح حتى للعمل في فرز القمامة.وبينما لم يصدر رد رسمي حتى لحظة كتابة هذه السطور من إدارة الشركة لتأكيد أو نفي صحة التسجيل، فإن تداعياته اشتعلت على الفور، وأصبح حديث الرأي العام في مصر، لا سيما في ظل التوقيت الحرج الذي تمر به السلسلة بعد إغلاق فروعها مؤخرًا بقرار من الجهات الرقابية بسبب مخالفات صحية جسيمة.
جاء في التسجيل الصوتي المنسوب إلى أحد كبار المسؤولين – يُعتقد أنه مالك "بلبن" – تصريحات خطيرة، منها:
"مفيش حاجة اسمها جودة في المصنع... مفيش رقابة، وكل واحد بيشتغل على مزاجه، العمال منظرهم ميليقش، دول ماينفعوش ينقوا زبالة مش يشتغلوا في مصنع أكل للناس."
"أنا اللي بشيل كل حاجة على كتافي، وكلهم بيتفسّحوا.. ولا واحد فيهم عايز يتعلم أو يطور نفسه، ولو قلت كلمة اتقال عني متكبر."
هذه العبارات، بحسب العديد من المهتمين بالقطاع الغذائي، تكشف عن أبعاد جديدة للأزمة داخل سلسلة "بلبن"، لا تتعلق فقط بمخالفات صحية تم رصدها من الجهات المختصة، بل تمتد إلى ضعف في منظومة الإدارة، وانعدام الاحترام لمكانة العمل والكوادر البشرية.
ما إن تم تداول التسجيل على فيسبوك وتويتر وتيك توك حتى انهالت التعليقات الغاضبة من المواطنين، واعتبر الكثيرون أن هذه التصريحات تمثل إهانة لفئة كبيرة من العمال البسطاء، الذين يبذلون جهدًا في أعمالهم، وأن الحديث عنهم بهذه الطريقة المتدنية غير مقبول.
كما رأى آخرون أن التسجيل يوضح السبب الحقيقي وراء تدهور جودة المنتجات، وتكرار شكاوى المستهلكين، وهو الإهمال الإداري والرقابي داخل مصانع الشركة، وانعدام بيئة العمل الصحية والاحترام المتبادل بين الإدارة والعاملين.
بعض النشطاء دعوا إلى فتح تحقيق رسمي في مضمون التسجيل، والتحقق من صحة الصوت المنسوب للمالك، ومحاسبة المتورطين إن ثبتت صحة ما ورد، لا سيما أن ما قيل يُعتبر اعترافًا غير مباشر بوجود مخالفات وانحرافات في تطبيق معايير الجودة داخل المصانع.
بعيدًا عن الجمهور، فإن التسجيل تسبب في حالة من القلق داخل الوسط الغذائي والمصنعي، حيث يُعتبر نموذج "بلبن" من النماذج الناجحة في التسويق الشعبي والتوسع السريع، إذ تم افتتاح أكثر من 100 فرع في فترة وجيزة، قبل أن تنهار السمعة تحت وطأة المخالفات والتسريبات الأخيرة.
مراقبون في القطاع أكدوا أن مثل هذه التصريحات – إن صحت – تعني أن هناك قصورًا في الهيكل الإداري، ونقصًا في ثقافة الجودة، وغيابًا لمنظومة العمل المحترفة داخل المصانع، وهو ما يُعد خطرًا على سلامة المنتجات الغذائية.
وأشاروا إلى أن الاعتراف بغياب الجودة وعدم كفاءة العاملين، لا يبرئ المسؤولية، بل يُدين الإدارة ويضعها تحت طائلة المساءلة القانونية، إذ أن المسؤولية الأولى في أي شركة غذائية تبدأ من القمة، وليس من العاملين البسطاء.
الهيئة القومية لسلامة الغذاء لم تُصدر بيانًا بشأن التسجيل حتى الآن، ولكن مصادر مطلعة أفادت بأن الهيئة تتابع القضية عن كثب، وأنها بصدد فحص التسجيل والتحقق من صحته، ضمن حزمة الإجراءات التي بدأت بالفعل بعد صدور قرار إغلاق الفروع، وإعدام المنتجات المخالفة.
وكانت الهيئة قد أغلقت جميع فروع "بلبن" في القاهرة وعدد من المحافظات، بعد ثبوت مخالفات تتعلق بعدم صلاحية بعض المنتجات، وسوء التخزين، وغياب الشهادات الصحية لبعض العاملين، إضافة إلى استخدام مواد غير مصرّح بها، وألوان صناعية محظورة.
وطالب بعضهم بتدخل الدولة لحمايتهم من التشويه والإهانة، وتوفير فرص بديلة في شركات تقدر قيمة الإنسان، بدلاً من تحميلهم وحدهم مسؤولية ما حدث.
من أبرز نتائج التسجيل، هو تآكل الثقة بين المستهلكين والشركة، خاصة أن "بلبن" كانت تحظى بجماهيرية واسعة، ونسبة مبيعات مرتفعة، بفضل تنوع منتجاتها وأسعارها المتوسطة.
لكن بعد التصريحات المتداولة، بدأ الكثيرون في مراجعة تعاملهم مع السلسلة، وتسربت حالة من الخوف تجاه المنتجات، حتى لو عادت الفروع للعمل، وهو ما قد يُؤثر بشكل كبير على مستقبل العلامة التجارية.
وقد أشار متخصصون في العلاقات العامة إلى أن الشركة أصبحت بحاجة إلى خطة عاجلة لاستعادة الثقة، تبدأ بالاعتذار الصريح والشفاف للجمهور، مرورًا بمراجعة الإدارة، وانتهاءً بإصلاح شامل للمنظومة الإنتاجية والرقابية.
حتى اللحظة، لم تصدر إدارة "بلبن" أي رد رسمي على التسجيل الصوتي، ما زاد من الغموض والتكهنات، واعتبره البعض "تجاهلاً للأزمة"، بينما رآه آخرون "محاولة للتهدئة مؤقتًا".
وفي ظل الصمت، تزداد الدعوات المطالبة بإجبار المسؤولين في الشركة على الخروج عن صمتهم، وتوضيح الحقيقة، والكشف عن الإجراءات التصحيحية التي تنوي الشركة اتخاذها، إن كانت تسعى فعلًا إلى العودة للسوق بثقة.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt