يُعد شهر صفر من الأشهر القمرية في التقويم الهجري، ويأتي مباشرة بعد شهر المحرم. ورغم أنه ليس من الأشهر الحُرم الأربعة، فإن له مكانة متميزة في التراث الإسلامي، وقد ارتبط اسمه بعدة مفاهيم متباينة بين الحقائق والخرافات. ومن الملفت أن البعض يُطلق عليه "صفر الخير"، فما سر هذه التسمية؟ ولماذا ينبغي تصحيح المفاهيم الخاطئة المرتبطة به؟
في هذا المقال، نوضح 10 أسباب حقيقية تفسر لماذا سُمي بـ"صفر الخير"، ونستعرض معلومات دينية وتاريخية مرتبطة بهذا الشهر.
كان بعض العرب في الجاهلية يتشاءمون من شهر صفر، ويعتبرونه شهر نحس، وقد تسرب هذا الفكر لبعض العوام حتى بعد الإسلام. لكن الإسلام جاء ليهدم هذا المعتقد، فكل الشهور سواء، ولا يوجد ما يدعو للتشاؤم من شهر معين. لذلك كان من الضروري أن يُطلق عليه "صفر الخير" لنفي أي معنى سلبي.
تسمية "صفر الخير" تحمل رسالة عقدية بأن الخير لا يرتبط بشهر دون غيره، ولا يختفي في وقت دون آخر، فالله يوزع فضله متى شاء، ومتى دعا الإنسان وطلب الرحمة والمغفرة، استجاب له، سواء في صفر أو غيره.
رغم عدم تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم لشهر صفر بعبادات معينة، إلا أنه أكد في أحاديثه أن "لا صفر" أي لا تشاؤم به، مما يدل على نفي السلبية المرتبطة باسمه، وتحويل النظر إليه بشكل إيجابي.
انتشرت بعض الخرافات مثل "الزواج في صفر مكروه" أو "السفر فيه غير محمود"، وهذه مزاعم لا أساس لها من الدين، بل هي من بقايا الجاهلية. ومن هنا جاءت تسمية "صفر الخير" لتكون بمثابة دعوة لتحرير العقول من هذه الموروثات.
اعتاد كثير من المسلمين تقليديًا أن يكون شهر المحرم شهرًا للهدوء والتعبد، ويأتِ شهر صفر ليُعيد الحركة والنشاط الاجتماعي والاقتصادي، مما جعله رمزًا لانطلاقة جديدة، ومن هنا جاءت تسميته بصفر الخير.
في المجتمعات الزراعية والتجارية، كان شهر صفر هو بداية التحركات بعد موسم الحصاد، وكان يُنظر إليه كبداية للخير، من حيث الزراعة الجديدة والتجارة والتنقل، فاقترن اسمه بـ"الخير" في الذاكرة الشعبية.
لم يشهد شهر صفر عددًا كبيرًا من الحروب أو الكوارث التاريخية الكبرى في السيرة النبوية أو التاريخ الإسلامي، على عكس أشهر أخرى، مما دفع البعض لربطه بالسلام والطمأنينة.
أراد العلماء والفقهاء التصدي لما علق في الأذهان من بدع ومبالغات بشأن "نحس" شهر صفر، فكان من الحكمة أن يُشار إليه بعبارة "صفر الخير" حتى لا يُعامل معاملة الشهور المنبوذة، وليبقى في ذهن المسلم شهرًا كباقي الشهور، لا فضل له ولا نحس فيه.
لا يوجد في الشريعة ما يمنع الزواج أو البدء بمشروع في شهر صفر، بل على العكس، وقعت عدة وقائع في السيرة النبوية خلاله، ومنها غزوات وتجهيزات للدعوة، وكلها تمت دون أي عائق، مما يُثبت أنه لا مانع من الاستبشار به.
أرادت الأمة الإسلامية عبر الأجيال أن تُشيع روح التفاؤل والبعد عن التشاؤم، فجعلت من إطلاق "صفر الخير" على هذا الشهر وسيلة لغرس اليقين في النفوس بأن الخير من عند الله في أي زمان ومكان.
شهر صفر هو الشهر الثاني في التقويم الهجري.
كان يسمى عند العرب في الجاهلية بهذا الاسم لأن دور القوافل فيه كانت "تصفر"، أي تخلو، حيث يغادر الرجال البيوت بحثًا عن الرزق.
لم يُخصص بصيام أو عبادة معينة في الإسلام، لكنه كغيره من الشهور يُستحب فيه القيام بالطاعات وترك المعاصي.
وقعت فيه بعض الأحداث المهمة في السيرة، مثل تجهيز سرية عبيدة بن الحارث في السنة الأولى للهجرة.
شهر صفر لا يقل شرفًا أو مكانة عن أي شهر آخر، وتسمية "صفر الخير" ليست فقط للرد على الخرافات، بل أيضًا للتأكيد على أن الخير في يد الله، وهو يمنّ به على عباده متى يشاء. وكل ما يحتاجه المسلم هو إحسان الظن بالله والعمل الصالح في كل الأوقات.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt