ميكسات فور يو
"برخيل سوهاج" تحترق وتُحيّر المسؤولين والأهالي
الكاتب : Mohamed Abo Lila

"برخيل سوهاج" تحترق وتُحيّر المسؤولين والأهالي

لغز النيران الغامضة.. "برخيل سوهاج" تحترق وتُحيّر المسؤولين والأهالي

في الوقت الذي تتجه فيه أنظار الدولة نحو مشروعات التنمية والبنية التحتية في الصعيد، ظهرت أزمة غريبة ومُربكة تشغل الرأي العام المحلي وتطرح تساؤلات علمية ومجتمعية مربكة، بعد أن أصبحت قرية "برخيل" التابعة لمركز البلينا في محافظة سوهاج، مسرحًا لحرائق غامضة ومتكررة دون سبب واضح.

حرائق تظهر فجأة وتختفي فجأة، تلتهم منازل وأثاثات دون سابق إنذار، وتجعل السكان في حالة من الذهول والخوف، وسط حالة من العجز التام عن تفسير ما يحدث. فقد شهدت القرية خلال الأيام الماضية اشتعال النيران في أكثر من 20 منزلًا، بعضها اندلع خلال تواجد أصحابها، وبعضها اندلع والنوافذ مغلقة تمامًا، دون وجود مصدر ظاهر للنار أو شموع أو أفران تعمل.

الظاهرة باتت تُعرف شعبيًا باسم "النيران الغامضة"، وامتدت تداعياتها لتشمل المسؤولين في المحافظة الذين سارعوا بإرسال لجان من الحماية المدنية، وإدارة الكهرباء، وخبراء البيئة، والطب الشرعي، إلا أن أحدًا حتى الآن لم يتمكن من وضع تفسير علمي أو عملي لما يحدث. وفي الوقت ذاته، تعيش الأهالي في حالة من الهلع، حيث تحولت منازلهم إلى مناطق غير آمنة، ويُفضّل بعضهم الآن النوم في العراء على البقاء داخل جدران لم تعد توفر الأمان.

السؤال الكبير الذي يشغل الرأي العام: ما الذي يحدث في "برخيل"؟ وهل ما تشهده القرية ظاهرة طبيعية لها جذور علمية؟ أم أننا أمام حالة من الغموض الغريب التي تتكرر كل بضع سنوات في إحدى قرى مصر، وتختفي كما ظهرت دون إنذار؟ وما دور الدولة في حماية الأهالي، والتوصل إلى أسباب تلك الحرائق؟ هذا ما نحاول تحليله في هذا التقرير المطول.



بداية الظاهرة: حرائق لا تُفسر

بدأت القصة قبل نحو أسبوع، حين أبلغ عدد من الأهالي في قرية برخيل عن اشتعال النيران في بعض المنازل دون أي سبب ظاهر. في البداية، اعتقد الجميع أن الأمر حادث عرضي، ربما نتيجة ماس كهربائي أو مصدر للنار تُرك مشتعلاً. لكن ما لبث أن تكرر المشهد نفسه في منازل أخرى دون صلة ببعضها، وفي توقيتات متباعدة ولكن قريبة، ليتحول الموقف إلى ما يشبه سلسلة حرائق منظمة ولكن بلا فاعل.

اللافت في تلك الحوادث أن بعضها كان يحدث نهارًا في وجود أصحاب المنازل، والبعض الآخر ليلاً، دون أي مبرر منطقي. كما أن أغلب الحرائق كانت تندلع في أجزاء معينة من المنازل مثل الأسقف، الأثاث الخشبي، أو الستائر، وكلها نقاط بعيدة عن مصادر النار المعتادة.


تدخل الحماية المدنية وتقرير أولي لا يُفسر شيئًا

على الفور، تدخلت قوات الحماية المدنية وقامت بإجراء الفحص الفني للمنازل المحترقة. لم يُسفر الفحص عن العثور على أي بقايا لأسلاك محترقة أو أجهزة كهربائية أدت للاشتعال. كما تم فحص عدادات الكهرباء ودوائر التوصيل، ولم يُعثر على خلل ظاهر قد يؤدي لتكرار الاشتعال.

وأكد التقرير المبدئي للحماية المدنية أن جميع المنازل كانت مطابقة للاشتراطات العادية، وأن النيران لا تبدو ناجمة عن تماس كهربائي أو استخدام مصدر حراري تقليدي.


المواطنون في رعب: ننام ونستيقظ على نيران

من جانبهم، عبّر الأهالي عن حالة من الرعب يعيشونها يوميًا. بعض الأسر أصبحت تقضي الليل خارج منازلها خشية اندلاع النيران أثناء النوم. وهناك أسر قامت بتفريغ منازلها من الأثاث خشية خسائره المادية، خصوصًا بعد أن طالت الحرائق قطعًا ثمينة من العفش، دون أن يتمكنوا من السيطرة عليها.

بعض الشهادات قالت إن النيران تشتعل فجأة في المفروشات أو الستائر أو الأسقف، ثم تمتد لباقي أجزاء المنزل خلال دقائق، وتكون السيطرة عليها صعبة جدًا بسبب بدايتها المفاجئة وسرعتها الشديدة. في إحدى الحالات، اشتعلت النيران في دولاب ملابس مغلق تمامًا، دون وجود أي فتيل أو حرارة قريبة.


اجتماع رسمي ولجان فنية دون نتائج

استشعارًا لخطورة الموقف، عقد محافظ سوهاج اجتماعًا طارئًا ضم قيادات من وزارة الداخلية، والكهرباء، والحماية المدنية، إلى جانب أساتذة متخصصين في الهندسة والعلوم، وقرر تشكيل لجنة مشتركة لفحص كل منزل تندلع فيه النيران.

وبالفعل، بدأت اللجنة جولات ميدانية لفحص البيوت، لكن بعد مرور عدة أيام، لم تعلن اللجنة عن أي نتيجة نهائية، مكتفية بعبارات مثل: "التحقيق ما زال جاريًا"، و"لم نتوصل بعد إلى سبب محدد للاشتعال"، مما زاد من حالة الغموض والتوتر لدى السكان.


فرضيات تطرحها القرية: الجن، الأشعة، أم حرارة الأرض؟

في ظل غياب تفسير رسمي واضح، بدأت تروج بين الأهالي عدة تفسيرات، بعضها يميل للخرافة، وبعضها يحمل طابعًا علميًا ولكن غير مؤكَّد. فهناك من يتحدث عن "أعمال روحانية" أو "سحر أسود" تسبب في اشتعال البيوت، ويستدلون على أن النيران تشتعل دون أن يمسّها أحد.

بينما يُرجّح آخرون أن تكون هناك ظاهرة جيولوجية أو إشعاعية غير مرئية داخل التربة، ربما ناجمة عن وجود مواد قابلة للاشتعال في باطن الأرض، أو تسرب غازات من خطوط قديمة غير معلنة.

وهناك من طرح فرضية "ظاهرة الكهروستاتيكية"، والتي تُشير إلى تراكم شحنات كهربائية في الهواء أو الجدران تؤدي إلى اشتعال ذاتي. لكن هذه النظرية لم تلقَ دعمًا علميًا واضحًا من لجان الفحص.


استدعاء خبير بيئي من القاهرة لدراسة الوضع

وفي تطور جديد، تم استدعاء خبير بيئي من إحدى الجامعات بالقاهرة للمشاركة في الفحص، والاطلاع على موقع القرية وتحليل التربة والجو والرطوبة المحيطة. وتقوم اللجنة الآن بجمع عينات من باطن الأرض، وتحليل الهواء المحيط ببعض المنازل، على أمل التوصل لأي تفسير قد يكون خارج السياق المألوف.


السكان يطالبون بقرارات عاجلة وتعويضات

في ظل حالة الهلع المنتشرة، طالب الأهالي بتدخل عاجل من رئاسة مجلس الوزراء، وتوفير أماكن مؤقتة للسكن، خاصة أن بعض المنازل دُمّرت بالكامل. كما طالبوا بصرف تعويضات للمتضررين، لحين الانتهاء من أعمال الفحص، والتأكد من أمان المساكن.

كما ناشد الأهالي الجهات الدينية والروحية بطمأنتهم، في ظل حالة من التوتر النفسي التي تجتاح الجميع، خوفًا من "مجهول" يُهدد حياتهم وأمنهم اليومي.


هل تتكرر الظاهرة كما حدث في قرى سابقة؟

تجدر الإشارة إلى أن "ظاهرة النيران الغامضة" ليست جديدة كليًا على المجتمع المصري. فقد شهدت بعض قرى الصعيد وقائع مشابهة خلال السنوات الماضية، في بني سويف والمنيا، وانتهت دون تفسير رسمي قاطع. ورغم محاولات التفسير المختلفة، غالبًا ما تظل تلك الظواهر في نطاق المجهول، وتختفي مع الوقت كما بدأت.


ضرورة التحرك العلمي والمجتمعي

إن ما يحدث في قرية برخيل ليس مجرد حوادث فردية، بل هو اختبار لقدرة الدولة على التعامل مع الأزمات الغامضة، وقدرة العلم على تفسير ما يبدو غير منطقي. وإذا لم تُحسم هذه الظاهرة بسرعة وشفافية، فقد تُفتح أبواب الخوف والخيال الشعبي، وتنتشر الشائعات، وتنهار الثقة في المؤسسات.

الحل لا يكمن فقط في إخماد النيران، بل في إشعال نور الحقيقة، عبر تحقيق علمي دقيق، وإعلان نتائج واضحة للرأي العام. وفي انتظار ذلك، تبقى "برخيل" رمزًا حزينًا لقرية تواجه نيرانًا لا ترى منها سوى ألسنتها.

التعليقات

لا يوجد تعليقات

اترك تعليق

يجب تسجيل الدخول أولا. تسجيل الدخول

قد يهمك أيضا

تعــرف على ميكسات فور يو
اتصل بنا
سياسة الخصوصية
من نحن
خريطة الموقع
تابعنا علي منصات السوشيال ميديا

جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt

Loading...