في خطوة إنسانية تعكس عمق العلاقات التاريخية بين الشعبين المصري والسوداني، أعلنت السلطات المصرية بالتنسيق مع الجهات المعنية في السودان عن تخصيص قطار خاص لنقل السودانيين المقيمين في مصر والراغبين في العودة إلى بلادهم. تأتي هذه الخطوة في إطار جهود الدولة لتسهيل عودة الراغبين إلى وطنهم في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها السودان مؤخرًا.
يمثل هذا القطار الخاص رسالة تضامن قوية ودليلًا على أهمية الروابط الاجتماعية والجغرافية بين البلدين، كما أنه يأتي استجابة لمطالب عدد كبير من السودانيين الموجودين في مصر والذين يتطلعون للعودة إلى أسرهم وأراضيهم، بعد أشهر من البقاء في الخارج نتيجة الأحداث المتلاحقة في الداخل السوداني.
على مدار الأشهر الماضية، شهد السودان ظروفًا أمنية وسياسية مضطربة دفعت الآلاف من مواطنيه إلى النزوح خارج الحدود، وكان لمصر النصيب الأكبر في استقبال الفارين من الأزمات بسبب القرب الجغرافي والتاريخي بين الدولتين. وقد استضافت مصر مئات الآلاف من السودانيين، وقدمت لهم الرعاية والدعم من خلال مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.
ومع تحسُّن نسبي في بعض المناطق داخل السودان، بدأت مطالبات عديدة من اللاجئين والمقيمين بضرورة تنظيم وسيلة رسمية وآمنة للعودة. ومن هنا جاء قرار تشغيل قطار خاص لنقل هؤلاء المواطنين إلى بلادهم، كحل عملي وآمن وذو تكلفة منخفضة مقارنة بوسائل النقل الأخرى.
وفقًا للبيانات الرسمية، فإن القطار سينطلق من محطة رمسيس بالقاهرة متجهًا إلى أسوان، ومنها سيتم نقل الركاب إلى معبر قسطل الحدودي بين مصر والسودان. ومن هناك، ستتولى السلطات السودانية تنظيم دخول المواطنين وتسهيل عبورهم إلى المناطق المختلفة داخل السودان.
وسيتم تشغيل القطار بصورة دورية، مع تحديد مواعيد محددة مسبقًا، لتتناسب مع أعداد المسافرين وتوافر التصاريح الأمنية واللوجستية. كما سيتم توفير خدمات صحية وأمنية على متن القطار، لضمان سلامة المسافرين طوال الرحلة.
أعلنت السفارة السودانية في القاهرة عن فتح باب التسجيل للراغبين في العودة، من خلال استمارات إلكترونية ونقاط تسجيل في مقرات القنصلية والمراكز المجتمعية. ويُشترط تقديم إثباتات الهوية، مع توضيح الرغبة في العودة الطوعية، وذلك لضمان تنظيم الرحلات وتجنب التكدس أو الازدواج.
كما تم التنسيق مع وزارة الداخلية المصرية لتيسير الإجراءات القانونية للمغادرة، خاصة في حالات من انتهت إقاماتهم أو يواجهون تحديات إدارية، مع مراعاة الجوانب الإنسانية لكل حالة.
ساهمت منظمات المجتمع المدني في مصر، إلى جانب الهلال الأحمر المصري، في تقديم المساعدات اللوجستية والإنسانية للمسافرين، مثل توفير المياه، الوجبات، المستلزمات الصحية، وتقديم الدعم النفسي في حالات الطوارئ.
وتُعد هذه الجهود تجسيدًا لسياسة مصر الراسخة في دعم الشعوب الشقيقة في أوقات المحن، خاصة أن السودانيين لطالما لعبوا دورًا إيجابيًا داخل المجتمع المصري، سواء في مجالات التعليم أو الطب أو الأعمال الحرة.
لاقى قرار تشغيل القطار ترحيبًا واسعًا من الجالية السودانية في مصر، حيث عبَّر كثير من المواطنين عن امتنانهم لهذه الخطوة التي وصفوها بأنها «منقذة»، في ظل صعوبة السفر الجوي وارتفاع تكاليفه.
كما رحب عدد من النشطاء السودانيين والمهتمين بحقوق الإنسان بهذه المبادرة، مؤكدين أن التعاون المصري السوداني في مثل هذه الملفات يبعث برسالة قوية على أهمية التضامن الإقليمي في مواجهة الأزمات الإنسانية.
في تصريحات متزامنة، أكد ممثلو وزارتي الخارجية في مصر والسودان على أن هذه الخطوة لا تمثل فقط عملية نقل مواطنين، بل تعكس التزامًا سياسيًا وأخلاقيًا من كلا الجانبين تجاه الشعوب. كما أشار البيان المشترك إلى أن الجهود المشتركة ستستمر لضمان أمن وسلامة كل العائدين.
رغم الإيجابية المحيطة بالمبادرة، فإن هناك تحديات قد تواجه تشغيل القطار الخاص، مثل تزايد أعداد الراغبين في العودة مقارنة بالقدرة الاستيعابية، أو الظروف الأمنية في بعض المناطق الحدودية.
إلا أن الجهات المنظمة أكدت أنها وضعت خططًا بديلة للتعامل مع أي طوارئ، مثل توفير حافلات دعم، وتوسيع فترات التشغيل، مع التنسيق المستمر مع الجانب السوداني لضمان الانسيابية.
يعد تشغيل قطار خاص لنقل السودانيين الراغبين في العودة إلى بلادهم نموذجًا واقعيًا للتضامن العربي والأخوة الإنسانية، ويعكس نُبل الدور المصري في دعم الشعوب المجاورة. ومع هذه الخطوة، تبدأ مرحلة جديدة في مساعدة من تقطعت بهم السبل على العودة إلى ديارهم بأمان وكرامة.
تبقى التحديات قائمة، لكن الأمل يتجدد في أن تثمر هذه المبادرة عن مزيد من الاستقرار والتكاتف بين أبناء النيل الواحد، وأن تعود الحياة تدريجيًا إلى طبيعتها في السودان بدعم ومساندة من الشقيقة الكبرى مصر.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt